تعبّر الثرثرة عن جزء من شخصية الإنسان التي تذهب نحو إظهار الأهمية ولفت الانتباه، بيد أنها تبقى صفة ارتبطت بالنساء منذ زمن بعيد.
"إن أسوأ ما يبتلى به المرء كثرة الكلام والثرثرة والإكثار منهما في مناسبة وبلا مناسبة" يقول مأمون الموظف في إحدى الشركات الخاصة.
ويضيف "لا نستطيع أن نتصور وجود طعام بلا ملح، وكذلك النساء لا نستطيع أن نتصورهن يتخلين عن الكلام الذي يتطور إلى ثرثرة عند الكثيرات منهن".
ويرى مأمون "41 عاما" أنه لذلك قيل أن الثرثرة ملح النساء من الصعب تركها، معتبرا أن الرجال يبدون امتعاضاً من ثرثرة النساء التي يصفها أنها بالنسبة لهم "شطة حارة مزعجة".
ويؤكد محمد زياد، الطالب في كلية الصيدلة بالجامعة الأردنية، أن الكلام السليم يكون في دلالته وليس بكثرته، وأن اختصار الكلام ذي المعنى والمعبر بصدق عما يجول في النفس دليل على رجاحة العقل ونضج الفكر ورصانة النفس من كل لغو وثرثرة.
ويضيف زياد (22 عاما) "الثرثرة جزء من المرأة ناتج عن أسلوب تربية الأم لابنتها، فالأم الثرثارة من دون شك تكون ابنتها على شاكلتها في أكثر الأحيان".
من جهتها ترى أم مهند (48 عاما) والتي تعمل ربة منزل، ان أضرار الثرثرة أكثر بكثير من فائدتها، والفائدة التي تعود على المرأة والرجل هي فقط تفريغ الطاقات والإحباطات والمكبوتات المختفية داخلهما.
وتشير إلى أن الثرثرة تعتبر من ملذات الحياة الأقل تقديرا والأكثر تثقيفا، وتتناول أحاديث البالغين عادة أشخاصاً غائبين، وتستغرق مدة ساعتين في اليوم تقريباً.
ويقول الاختصاصي في العلاج السلوكي د. نايف الرشيدات أن الثرثرة تعني باختصار كثرة الكلام، أو التعبير عن المشاعر بواسطة الحديث مع الآخر، وهي جزء من شخصية الإنسان وضمن طبيعته الشخصية، إذ يعتمد الشخص على الثرثرة لإظهار أهميته ولفت الانتباه.
ويرى الرشيدات أن غالبية النساء بطبيعتهن ثرثارات، وتزداد الأمور تعقيدا أو وضوحا حين تجتمع امرأة مع امرأة أخرى، هنا يبدو أن هناك همسا مشتركا بينهما فتبدآن مباراة في الثرثرة.
ويعلل بدوره ظاهرة الثرثرة باضطراب الشخصية ويربط النساء الثرثارات بخلل في علاقاتهن الزوجية والرغبة بالتدخل في شؤون الأسرة.
وللثرثرة أضرار كثيرة، فعلى المستوي الشخصي تسيء للشخص، وتجعل الآخرين ينفرون منه، وعلى المستوى الأسري قد تقود إلى مشاكل تقوض بنيان الأسرة، خاصة إذا تطرقت الثرثرة إلى أمور حميمة شخصية قد تكشف أو تهتك سر الأسرة، كأن تذكر المرأة أسرارا خاصة عن زوجها أو أختها أو جيرانها، وقد ينتقل الأمر إلى هؤلاء الذين أفشت أسرارهم، فيؤدي ذلك للعديد من المشاكل.
ويشير أستاذ علم النفس في كلية الآداب بجامعة حلوان المصرية د. محمد غانم إلى أن للثرثرة أضرارا جمة على المجتمع المحلي أو الدولي.
ويعتقد أن المرأة الثرثارة قد تخرق أسرار بلدها بطريقة غير مقصودة، مما يجعلها تقدّم "من دون أن تقصد" أحيانا معلومات تضر بالأمن القومي لمجتمعها.
ويضيف "المسألة مجرد عشق للتعبير عن الذات بفرضها على الآخرين، والثرثرة هي (الرغي) وتدخل في نطاق عشق الذات".
ويرى أن هذا العشق يدعمه فضول الأخريات والآخرين فيستدرجان من يعشق ذاته إلى مزيد من الكلام وإفشاء الأسرار.
ويبين أن لانزعاج الرجال من ثرثرة زوجاتهم أسبابا كثيرة، منها أنها تؤدي إلى البوح بالأسرار الزوجية فعندما تنتهي الأحاديث العامة بين النساء فإنهن يدخلن دون شعور في الأحاديث الشخصية والأسرار الزوجية.
وفيما بعد يدرك الزوج، بحسب غانم، أن تلك الأسرار قد خرجت خارج المنزل وبالتالي يحاول فيما بعد أن يخفي بعض الأمور عن زوجته لأنه يدرك أنها ستبوح بها إلى جاراتها أو صديقاتها.
وتشير نشرة صحافية وردت في صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية أن لدى المرأة هرموناً أطلق عليه اسم "أوكسيتوسين"، ووصفه العلماء بأنه هرمون ضبط المزاج وهو الذي يدفع المرأة إلى التحدث مع الأهل والصديقات والجارات وغيرهن للتخلص من الضغوط دون الانسحاب للصمت أو الاندفاع إلى العدوان، كما يفعل الرجال، وهو ما يجعل المرأة أقل عرضة للوقوع فريسة للإدمان أو الاضطرابات العصبية.
وهناك عدد من الوسائل يمكن من خلالها جعل الثرثرة في صالح الشخص، مثل حفظ الأسرار والمعلومات وعدم الإفضاء بها لأن إفضاء الأسرار بشكل عشوائي كفيل بطرد وإبعاد الشخص عن أي جماعة أو تجمع كان.
وثمة طريقة أخرى مهمة وهي ضرورة التعرف على رغبات المستمع، إذ أن الرجال يحبون سماع القصص المتعلقة بالمال، فيما تحبذ النساء سماع كل شيء دون تفريق.
وتعتمد الأساليب والطرق الأخرى في مكافحة الثرثرة وجعلها في نطاق المعقول على تجميل القصص وعدم الكشف عن المصادر ومحاولة الوصول إلى الابتعاد عن الملل في السرد.
تعليقات
إرسال تعليق