القائمة الرئيسية

الصفحات

جلطات السفر: الأعراض والوقاية والعلاج


   مع التقدم الرفيع الذي شهدته مهنة الطب في العقود الاخيرة وزيادة الوعي والثقافة العامة, ومع تطور وسائل السفر, ظهر على الشاشة مصطلح جديد يدعى "جلطات الدرجة السياحية" او "جلطات السفر".
ما الذي يقصد بذلك وهل يمكن التعميم بأن جميع المسافرين في رحلات طويلة قد يتعرضون لمثل هذه الجلطات؟
   تعني جلطات السفر "تعرض مسافر لتخثرات دموية حادة في اوردة الاطراف السفلى اثناء, او بعد, رحلة طويلة نسبياً مهما كانت وسيلة السفر". فوضع الجلوس المطول يؤدي الى ركود في رجوع الدم من الاطراف السفلى الى القلب واحتقانه في عضلات الساق, ونظراً لبقاء الركبة مثنية لفترة طويلة خلال السفر فذلك يساعد على تكديس كمية كبيرة من الدم داخل باطنة الساق.
   ومع تزايد فترة عدم الحركة يحدث تخثر الدم داخل الاوردة فيتسبب في الجلطة الوريدية التي يمكن ان تبقى منحصرة في منطقة باطنة الساق او ان تمتد الى الاعلى والتسبب بحدوث مضاعفات حتى ولو كانت نادرة نسبياً.
   وتلعب مسافة الرحلة دوراً مهماً في زيادة فرص حدوث جلطة وريدية اثناء السفر, فكلما طالت فترة الرحلة ازدادت احتمالية التخثرات الوريدية.
وبشكل عام فإن الرحلات الطويلة تمثل اكثر انواع الرحلات خطراً لكن قد تحدث جلطات خلال الرحلات المتوسطة او القصيرة وبشكل الخصوص لدى بعض المسافرين الذين توجد لديهم عوامل خطر معينة كما سنفصله لاحقاً.
   واحتمالية حدوث جلطات اثناء السفر لا تخص فقط المسافرين بالطائرة بل جميع وسائل السفر اذا دامت ساعات طوال. وقد درجت العادة على تسمية جلطات السفر بجلطات الدرجة السياحية نظراً لضيق المسافة التي تفرق بين المقاعد مما يساعد على ابقاء الركبة مثنية والى احتقان الدم داخل اوردة هذه المنطقة.
   ويمكن لجلطات السفر ان تحدث اثناء السفر او بعد الوصول مباشرة, ولكن بإمكانها ان تظهر بعد ايام من الوصول وخصوصاً اذا شعر المسافر بانتفاخ في الساقين, فهذه الاعراض تمثل ناقوس الخطر الذي يسبق الجلطة الوريدية.
   وتتلخص اعراض الجلطة, والتي تتفاوت حدتها من مسافر لآخر, بظهور ألم وانتفاخ في منطقة باطنة الساق او القدم لدرجة قد تصل للحيلولة دون لبس الحذاء من حدة الانتفاخ, كما ويشعر المسافر بسخونة في الساق وصلابة لم تكن موجودة مسبقاً, وقد يشعر المسافر بهذه الاعراض في ساق واحدة او في الساقين معاً.
   لكن مهما كانت الاعراض فإن اي تغيير يشعر به المسافر في ساقيه اثناء او بعد السفر يجب ان يدفعه لاستشارة الطبيب المختص بالاوعية الدموية منذ لحظة الوصول دون تأخير حتى يصبح بالامكان تشخيص الجلطة وعلاجها مبكراً او تفادي حدوثها دون ضياع الوقت وحدوث مضاعفات.
   لكن الامر الأكثر حيوية يتمثل في عدم انتظار حدوث جلطة اثناء السفر بل توعية الرأي العام لهذه الظاهرة لكي يمنحوها بعضاً من الاهتمام والانتباه والقيام باتخاذ التدابير الواقية الكفيلة بتفادي مفاجآت اللحظة الاخيرة فوق المحيط وعلى ارتفاع 37 الف قدم.
   فجلطات السفر يكثر حدوثها لدى المسافرين فوق سن الـ 55 والذين لا يتحركون اثناء الرحلة فتبقى ركبهم مثنية ساعات طويلة, ولدى المرضى المصابين بأمراض القلب والشرايين, والذين خضعوا لعملية جراحية كبرى او الذين سبق وان تعرضوا لجلطة وريدية في الماضي, وكذلك الامر البدناء واولئك الذين يوجد لديهم انتفاخ وثقل في الساقين منذ شهور وسنين, اضافة الى المسافرين الذين يستهلكون كميات كبيرة من المشروبات الكحولية خلال السفر وللنساء اللواتي يتلقين علاجاً هورمونياً كحبوب منع الحمل او غيرها من ذات التركيز المكثف بالاستروجين.
   لكن يمكن اعتبار اخطر شرائح المسافرين المعرضين لجلطات وريدية هم الرجال والنساء الذين لديهم دوال كبيرة في الساقين وخصوصاً المصحوبة بانتفاخ وثقل. لذلك فمن الاهمية للغاية لمن تتوفر لديه احد هذه العوامل استشارة طبيب مختص بالاوعية الدموية قبل السفر, وخصوصاً اذا كانت وجهته بعيدة, وذلك لكي يقوم بإجراء تقييم علمي كامل لوضع جميع أوردة الاطراف السفلى الداخلية والسطحية والتأكد من خلوها من تخثرات دموية وتحديد درجة القصور الوريدي المسؤول عن الانتفاخ والثقل وتقييم مدى خطورة التوسعات الدوالية والقيام بتقديم النصائح اللازمة اثناء السفر وقبله وبعده.
   ومن اهم هذه النصائح الحركة اثناء الرحلة وعدم البقاء في المقعد والركبة مثنية لفترة طويلة, وتحريك القدمين والساقين خلال الجلوس والحركة المنتظمة داخل الطائرة لمساعدة عضلات الساقين في ارجاع الدم للقلب وعدم احتقانه داخلها, كذلك فمن المفيد ايضاً استهلاك كميات كافية من السوائل الباردة خلال الرحلة والابتعاد عن المشروبات الروحية.
   وحسب الحالة ودرجة الخطورة قد يكون من الضروري في بعض الحالات حسب تقييم الطبيب اعطاء المريض علاجاً مقوياً للاوردة او علاج مميع للدم سواءً الاسبرين خفيف التركيز او في بعض الحالات حقن مميعة للدم قبل وخلال وبعد السفر وذلك لمنع حدوث تجلط في الدم.
   لكن وفيما يخص المرضى الذين لديهم دوالي كبيرة في الساقين او قصور وريدي مهم مصحوباً بأعراض كالانتفاخ والثقل في الساقين فإن العديد من الدراسات تركز اليوم على ضرورة القيام بعلاجها والتخلص منها قبل السفر للوقاية من خطر الجلطات المحتملة.
   واخيراً فإن شعور مسافر ما بأحد الاعراض المذكورة سابقاً خلال او بعد السفر مهما كان عمره ومهما كانت مسافة الرحلة يجب ان يدفعه لعدم الانتظار وطلب استشارة مستعجلة لدى طبيب مختص بالاوعية الدموية.
وبإمكان فحص الايكو- دوبلر الملون الاوردة ببساطة ودقة والتأكد من وجود او عدم وجود جلطة, فأي انتفاخ او الم او خدران في الساقين لم يكن موجوداً قبل السفر يجب اعتباره مقدمة لجلطة دموية او جلطة فعلية حتى اثبات العكس لدى طبيب الاختصاص, وفي حالة وجود جلطة فإن ذلك يستدعي علاجاً مستعجلاً لمنع حدوث مضاعفات لاحقة.
   والنقطة المهمة الاخيرة هي ان من الحكمة ان يقوم كل شخص (رجلا كان ام امرأة) لديه دوال ضخمة ويزمع السفر باستشارة طبيب اوعية دموية قبل السفر بفترة لمعرفة مدى خطورتها بالتحديد وعلاجها ان لزم ذلك قبل السفر, فإذا مرت هذه الرحلة على خير دون مفاجآت فلا أحد يضمن مصير الرحلات القادمة, فالدوالي الضخمة تمثل قنبلة موقوتة يمكنها ان تلحق بصحتهم الاضرار دون سابق انذار.
Reactions

تعليقات