في منتصف السبعينات من القرن العشرين كانت كوليت ناجحة ومشهورة وترعى أسرتها المكونة منها ومن ثلاثة أبناء وقد اكتشفت حينذاك اكتشافًا صادمًا وهو الاكتشاف الذي كان ضد آرائها السابقة كلها عن نفسها وعن بنات جنسها وقد ترجمته في قولها : إني وجدت أن ما أريده حقيقة وهو أن أكون موضع رعاية أحد الأشخاص.. إنها ليست مسالة شخص يتحمل عني الأعباء المالية للحياة، بل إنني في حاجة إلى حماية انفعالية طوال الوقت بحيث يمثل لي هذا الشخص منطقة حماية تحميني من العالم الخارجي.. لقد تربيت على أن أتوقع أن هناك شخصًا ما سوف يقوم بالمهام الصعبة بدلاً مني .
وتقول السيدة دولنج أنه عندما كُشفت لها هذه الحقيقة أرادت أن تتأكد ما إذا كانت هذه الرغبة خبيئة في قلوب الملايين من النساء الأخريات أم لا ؟ وقد تأكدت من ذلك وجاء هذا التأكيد نتيجة أربع سنوات من البحث جابت السيدة دولنج خلالها عدداً من الأقاليم والولايات تجرى مقابلات مع نساء من مختلف الفئات والطبقات، خاصة المهنيات منهن ممن يعملن ويدرسن ويعالجن النساء مثل المتخصصات في علم الاجتماع وعلم النفس والعاملات في المجالات الصحية والطبيبات النفسيات، وانتهت من هذه المقابلات إلى أن من قابلتهن من النساء كن يشعرن بنفس المشاعر التي تشعر بها وكن راضيات سعيدات بأن يبقين في منطقة الظل خلف الرجل وأنهن يتجنبن الصفوف الأولى بل أنهن يرتعبن إذا ما أجبرن على التحرك إلى الإمام، على الرغم من أن بعض النساء يصرحن شفاهة بأنهن يرغبن في تقدم الصفوف وتقلد المناصب القيادية وتتساءل الكاتبة لماذا تقف النساء في الوقت الحالي في هذا الموقف الصراعي ؟ وكيف يستطعن أن يخرجن منه لكي يصبحن شخصيات سعيدة منتجة إلى أقصى ما تمكنهن قدراتهن وإمكانياتهن ؟.
أما السبب في دفع النساء إلى هذا الموقف الصراعي كما اكتشفت السيدة دولنج شخصيًا فهو ما سمته عقدة سندريلا وهى نسق من الرغبات والذكريات المكبوتة والاتجاهات غير الواقعية التي أخذت تتكون في الطفولة عند الفتاة وهى طفلة ومحورها أن هناك شخصًا آخر قوي يدعمها ويحميها وهذه القناعة عند البنات - والتي لا يوجد مثيل لها عند البنين - تستمر معهنَّ إلى سن الرشد بمعنى أنهن لا يفطمن عنها ومن ثمَّ فإن هذه الحاجات تكبت وتندفع إلى أعماق الفتيات وتظلُّ معهن في حياتهنَّ الراشدة وتؤدي مختلف أنواع المخاوف الداخلية وألوان من السخط وعدم الرضا .
وفي مقدمة ما يترتب على الحاجات المكبوتة عند النساء من آثار وأكثرها قوة في حياتهن هو الشعور بالدونية، وإن كان شعوراً منكراً وغير معترف به على المستوى الشعوري وتقول السيدة دولنج أن معظم النساء ترسبت في أعماقهن فكرة أنهن غير قادرات على تحمل المسئولية الكاملة عن أنفسهن، وهي قد قابلت كما قلنا نساء من كل الفئات وتقول أنها لمست هذه الفكرة الخبيئة في نفوس من قابلتهن بمن فيهن من يعملن في المهن المرموقة وبعضهن لم يغامرن بالخروج من المنزل والعمل خارجه والبعض غامر ولكنه عاد واحتمى بأحضان الأسرة ، وتؤكد السيدة دولنج أن هذه المشاعر قائمة عند ساكنات المدن وعند من تعمل في قطع الأخشاب في الغابات وعند الأرامل والمطلقات وعند كثير من المتزوجات واللاتي يريد بعضهن أن يحصل على الطلاق ولكنه لا يحصل عليه ، والشيء الوحيد المشترك بين هؤلاء النسوة جميعاً هو أنهن يسلكن على نحو طيب ولكن بدرجة أقل مما يتفق مع قدراتهن الحقيقية بفعل هذه المشاعر الخفية .
وترى السيدة دولنج أن نزعة الاعتماد الشخصي والنفسي عند النساء - وهي الرغبة العميقة في أن يكون الإنسان موضع رعاية الآخرين - هي القوة الرئيسية التي تمسك بالنساء وتبقيهن في مرتبة أدنى وهي (عقدة سندريلا) Cinderella complex والتي هي شبكة من الاتجاهات والمخاوف وغير الواقعية التي تجعل جنس النساء في منطقة نصف الضوء ونصف الظلال وتمنعهن من أن يحققوا الاستفادة الكاملة من قدراتهن وإبداعاتهن ومثل سندريلا فإن النساء اليوم لازلن ينتظرن شيئًا ما خارجيًا لكي يحل لهنَّ مشكلاتهن ويحوِّل حياتهن إلى الأفضل .
وتعرف السيدة دولنج أن عقدة سندريلا تمثل صدمة للمرأة التي ليس لديها فكرة عن هذه المشاعر اللاشعورية ، أو المرأة التي لم تتعرض لظروف تكشف لديها هذه المشاعر وتقول السيدة دولنج أنه إذا لم تبين حقيقة هذه المشاعر التي تضمنتها عقدة سندريلا وتعمل على مواجهتها والتغلب عليها فسوف يفوتنا كل شيء فلا نعود نساء ولا نعود قادرات على الحب وعلينا أن نواجه هذا الخوف الموهن لنا عن طريق التحكم في هذا الموقف وتحقيق الاستقلال الحقيقي ، فالتعرف على عقدة سندريلا والاعتراف بها ومواجهتها هو السبيل إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي .
تعليقات
إرسال تعليق