القائمة الرئيسية

الصفحات




وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، حمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وغاص في بحر أفكاره : ربما أخطأ إذ طلب من ولده الأصغر أن يأخذ شقيقه الأكبر للعمل معه ، فها هوالشقي قد فعل فعلته وهرب وترك أخاه الأصغر يتحمل عواقب فعلته ، هو كأب لا يستطيع البوح بهذا ومضطر أن يستمع لما يقول الناس عن ولديه ، وفكر في امتحان ربه له ، فتذكر آدم وولديه ، فكر ملياً : هل استشعر آدم ما فعل ولداه قبل أن يحدث ما حدث ، استغفر ربه ونهض من سريره بعد أن جافاه النوم ، توضأ وصلى ركعتين وجلس مستغفرا حتى أذن الفجر ، صلى الفجر وقرأ ورده اليومي ودعا ربه سرّاً ، ثم قام فلبس ملابسه وخرج من المنزل مستعينا بعصاه - وكان قد فقد بصره منذ سنوات - إلى دكان الحاج الشركسي بائع الحليب، جلسا معا حتى جاء الصباح ، فبدأ الزبائن بالتوافد على الحاج ، بقي هو جالسا على كرسيه يفكر في مصيبته : أصبحت الآن بلا معيل وتنهد ، لست قلقاً على نفسي ولكن على عائلة ولدي ، فقد أصبحوا بدون معيل أيضاً، وفكر : ولده لا يستحق هذا ، فمنذ الهجرة أخذ على عاتقه مسؤولية الأسرة ، وكان باراً بي وبأمه وجميع أخوته... تنبه فجأة إلى أفكاره فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وخطر له أن ابتلاءه يكمن في تسلل الشيطان إليه كل حين، سأله أحد الأولاد إذا كان يرغب بأن يحضر له بعض الأغراض ، شكره وقام من مكانه ومشى باتجاه منزل ولده الأصغر، وجدهم بانتظاره على الفطور ، تناول فطوره وكعادته قص عليهم قصصا من القرآن والسيرة والبطولات التاريخية ، وجد نفسه يقص عليهم نبأ ابني آدم ، أمطروه بالأسئلة : كيف قتل أخاه؟ هل يعقل هذا؟ ماذا فعلت أمهم؟ ماذا فعل أبوهم؟ هل دفنه ولم يخبرهم؟ لماذا فعل هذا؟ أجاب على سؤال آخر : الطمع... الطمع هو الذي يغذي النفس الأمارة بالسوء. توسد عصاه وغاص مرة أخرى في بحر الأفكار.

نبيلة زيدان 
Reactions

تعليقات