يقول جلال الدين الرومي " لا تجزع من جرحك، وإلا فكيف للنور أن يتسلل إلى باطنك؟”، ومن هنا فإن مواجهة مواقف حياتية صعبة كفقدان عمل، أو التعرض لخسارة كبيرة وحتى فشل مشروع مهم ، أو أي شيء كنت تعتمد عليه بشكل كبير ذهب ولم يعد متاحا، فإن الأيام التي تلي هذه المواقف غالبا ما تسبب ألما في الصدر بين حسرة ولوعة وحتى شعور بالاحباط.
فتجد نفسك تتنفس عميقا متجنبا الشعور بالذعر كي لا يسحقك.
فيما يبدو من المستحل والصعب جدا التحكم بما يجول داخل رأسك حيث تتشتت الأفكار وتتسرب الغيوم السوداء اليها تاركة إياك غير قادر على فعل أي شيء ، حائرا دون حول ولا قوة.
وما يجعل الامور اكثر صعوبة هو فقدان ذلك الاحساس بالحدس لأن بوصلتك الداخلية غير قادرة على العمل بشكل جيد ، ولكن الخروج من كل هذه الفوضى والوقوف مجددا والتعافي تؤدي اليه ثلاث طرق هي؛ استعادة السيادة ، الثورة ، والوحي.
-استعادة السيادة، ما من شيء تفقده لا يمكن استعادته سوى الموت حتى في هذه الحالة فإن الذكريات والتشبث في الحياة يسعد من فقدناهم في الموت ويغيظ من تركنا ويجب أن نظهر له القوة بدلا من الضعف.
في أي حالة ومهما كان الموقف لا يجب أن يتملكك اليأس بل يجب التفكير في كيفية المضي قدما وماذا ستفعل بعد هذا ، فطريقة مواجهة الأمر تحدد قوتك وصفاء ذهنك وهي وحدها من يساعدك على استعادة كل شي والنهوض مجددا . وعليه فإن إعادة ألق القوة الداخلية أمر بسيط، وهي معادلة بسيطة تضم التفكير والأفعال التي ترافقها لتحديد ملامح القوة تلك.
فالفرد قادر على أن يتغير ويحقق ما يريد، فالنجاح تختلف معانيه من فرد لآخر، ولكن الغالبية تتفق على أنه يعني الصحة والسعادة والمال. وقد لا تجري الأمور مع الكل بهذه الطريقة، ولكن النجاح يجلبه أمر واحد، ويتبع الإيمان بالقدرة على تحقيق ما نريد هو الخروج من منطقة الراحة، وهذا يعني الكف عن التأجيل ، فأسوأ عدو للذات هي الذات نفسها؛ لأنها تفرض قيودا خاصة، وهي نفسها الطبيعة البشرية التي تفضل البقاء في منطقة مريحة، حتى لا تتعرض لمواقف لست مستعدا لها أو تخالفها، وبالتالي نصبح ممن يخافون التغيير، إلا أن قوة الأفكار تساعد على كسر هذه القيود وتغيير الحياة نحو الأفضل من خلال قانون السبب والأثر.
ويحتاج من يبحث عن استعادة قوته وتولي سيادة الموقف أن يطمئن نفسه من خلال تقدير نفسه والاقتناع بانه قادر على تجاوز كل شيء ، ويدرك أنه شخص جيد ويستحق العيش من دون إرهاق مزمن من الخوف المسيطر عليه من عدم بلوغ غايته، وأن يتوقف عن الشعور بالضعف الذي يغذي به أفكاره
-الثورة ، إن لم تنجح اول خطوة وهي استعادة السيادة وفرض هيمنة الذات، إذا لا بد من اتخاذ موقف أكثر جرأة ما يعني ان تثور على نفسك وعلى كل شيء ويجب تقييم موقفك مرة اخرى والنظر لما اقترفت من اخطاء.إذا ان مواصلة لوم وجلد الذات، لا يحدد وجهة النظر، ولا يساعد على التفكير بوضوح لحل المشكلة، ولكن عبر مناقشة الموضوع نفسه بوضوح، ستتقبل حقيقة أنك لست فردا كاملا، وقمت بأعمال مروعة، ولكن هذا لا يعني أنك يجب أن تعاقب نفسك إلى الأبد، بل تتعلم من أخطائك وتمضي قدما في حياتك.
فحين تقوم بمهاجمة ذاتك، فإنك بالحقيقة تصعب تحقيق وإنجاز أي أمر، وهذا مرتبط بأن النقد الذاتي للنفس ما يطلق هرمون التوتر الكورتيزول، ويزيد من حالة القلق وهو أشبه بتهديد للجسد وردة الفعل المشتركة للضغط المستمر التي تفرض نفسها هي الاكتئاب مما يقتل أي دافع ايجابي.
- والثورة تعني أن تكون قويا بكل ما تعنيه الكلمة ولو كان في الامر مكابرة وان تحتفظ ببرود اعصابك ورباطة جأشك، محفزا نفسك على التحدي ما يبرز نقاط قوتك ، لكن دون ان تكون متهورا في مواجهة المشاكل التي تعصف بك ، مستغلا القلق ليكون قوة لا ضعفا، مصدرا للايجابية دون الخوف من مواجهة فشل اخر او موقف مشابه مجددا مبتعدا عن الهرب من اي تحدٍ وهو الفشل بأم عينه.
واكبر ثورة تحدثها هو تبسيط الامر مهما كان كبيرا، ما يسهل ويخفف من الضغط وبذات الوقت يساعدك على اعادة سرد كل الخطوات التي يجب ان تقوم بها كي تتجاوز الامر والنهوض مجددا. اما احتساب احتمالات متعددة فهو سيد الموقف الحاسم ، بدلا من الهروب من كل شيء والاختباء في قوقعتك.
واتخذ قرارا حاسما يضعك في موقف القيادي القوي، لأنك مسؤول عما يترتب عليه وما يحتمله من عواقب، وهو السبب في أن الكثير منا يتجنب اتخاذ أي قرار ويقبل بالتسوية بأقل، لتجنب إدارة الآثار المترتبة على اتخاذ قرار، وهو أكثر ما يخيف البعض، على الرغم من أن الخوف جراء العواقب المترتبة على الخيارات الفردية، سيكون دائما من السهل العيش معه، مقابل الرضوخ لموقف ما، أو وضع تشعر فيه بالخطر والندم بقية الوقت.
-الوحي "الايجابية" ، في حال لم تفلح الثورة في تغيير الاتجاه فإن الخروج من نفق العتمة الى الضوء يتطلب جرأة اكبر عن الطريقة التي تحلل بها الأمور هي التي تعيد موازنة المواقف.
وهذا يتأتى من ايجابية التفكير اولا والتفاؤل والتي تشبه المورفينات الداخلية في الجسم التي تتواجد في العقل، وهي تحمل نفس تأثير الاندروفين الذي يحسن المزاج، ويقلل من الألم. فالتركيز على الحاضر يسهل تحقيق إنجازات في فترة قصيرة، لأن المتفائل شخص يعطي كل تركيزه للحاضر ويؤمن بـ”الآنية” التي تفتح الأبواب له، فضلا عن أن هذه الشخصة أي المتفائلة لها تأثير فيمن حولها من خلال الذبذبات التي ترسلها، والتي تكون أشبه بعنصر جاذب لكل ما هو جميل وسعيد وحيوي.
وينعكس هذا الأمر على عقلية الفرد بطريقة مؤثرة جدا، فالمشاعر تقود الفعل، والأفكار الإيجابية تقود العقل، وفي حال تأسس العقل والعواطف على التفكير بايجابية، فإن الحاصل النهائي فعل أكبر وأكثر من مجرد أفكار خلاقة.
ويمكن للمرء ان يغير أفكاره ومواقفه من حالة السقوط الى حالة النهوض، بحيث يفعل أكثر وهذا مرتبط ببعض المبادئ التي من شأنها أن تجعله أفضل وأكثر حيوية، وتسهل الحصول على ما نريده بتحقيق غايتنا، وبطريقة أخرى "كيف نفكر بطريقة أفضل" ترتبط بمعطيات مختلفة؛ ومن هذه المعطيات الضغط على العواطف، فأفكارنا الواعية ليست إلا جزءا مما يدور في أدمغتنا، ، فيما اللاوعي، يقوم باتخاذ كميات كبيرة من المعلومات، التي نحن لسنا على علم بها، وتجهيزها بسرعة كبيرة، وكأنها غرفة عمليات سرية، وبناء على استنتاجاته، فإن الدماغ يولّد العواطف.
لكن ما يجب ان يدركه كل فرد هو ان لا يقدم ابدا على التفكير باي خطوة وقرار تحت وطاة ظروف سلبية في حال يأس، لأن العقل يتأثر بقوة الأفكار التي تحتويه، فإن كانت سلبية جلبت مزيدا من الدمار لنفسك أما لو كنت تفكر بطريقة معاكسة، سيتحول كل شيء الى نحو يسهل بلوغ المراد والأهداف وتحقيق هذه الحالة يبدأ من الداخل وليس من الخارج.
تعليقات
إرسال تعليق