أفضت أعمال العنف الأحدث التي نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى إحداث تحول عالمي. وكان قطع رأسي رجلين يابانيين بريئين وغير مؤذيين على الإطلاق، هارون يوكاوا وكنجي غوتو، عملاً سيئاً بما فيه الكفاية. ثم بعد ذلك، قرر الجلادون في "داعش" رفع منسوب العداء الموجه إليهم بوضع الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة في قفص وحرقه حياً. واليوم، يزعمون بأن رهينةً أميركية أنثى، كايلا ميولار، قد قتلت بسبب الضربات الجوية الأردنية. وغني عن البيان أن قادة الدولة الإسلامية "داعش" ما يزالون يبدون شغفاً بمراكمة بشاعة عمليات القتل من خلال توزيع أشرطة الفيديو التي تصورها على المواقع العنكبوتية.
كان رد الفعل متوقعاً: غضب عارم وسخط. وقد وصف الرئيس أوباما "داعش" بأنها "ثقافة موت وحشية وعنيفة". وهو على حق. ولكن، ما الذي يمكننا فعله حيالها؟ في جلسات الاستماع لتثبيته في المنصب، قال آشتون كارتر، مرشح الرئيس لشغل منصب وزير الدفاع الأميركي الجديد، إنه يجب على الاستراتجية الأميركية أن تهدف إلى إلحاق "هزيمة أبدية" بداعش. وقال إن جزءا من هذا يملي انخراط "شركاء على الأرض". وكان يتحدث عن الأردن؛ البلد الصغير الذي توحد شعبه بسبب الهول الذي خلفه مقتل ابنه معاذ.
إن الأردنيين شعب عظيم، وأنا متأكدٌ أنهم سيفعلون ما يستطيعون فعله. لكن ما يدهشني بغرابته هو أن كارتر لم يتطرق إلى ذكر أي شيء أيضاً عن الشعب الذي يشن أصلاً حرباً كاملة على "الدولة الإسلامية"، حتى مع أنه يتوافر على القليل من الموارد لاستخدامها: الأكراد.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان الأكراد مسؤوليين عن الانتصارات الوحيدة التي حققها العالم على الأرض ضد "الدولة الإسلامية". وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، استطاعت القوات الكردية في سورية، بعد أسابيع من القتال الضاري من بيتٍ لبيت، أن تطرد قوات "الدولة الإسلامية" نهائياً من بلدة كوباني الرئيسية الحدودية. وفي غضون الأيام القليلة الماضية وحسب، تبدو قوات البشمرغة التابعة للحكومة الإقليمية الكردستانية في شمالي العراق وأنها قد أعادت كسب اليد العليا ضد قوات "الدولة الإسلامية" التي شنت هجوماً مباغتاً على مدينة كركوك الرئيسية.
وفق كل الاعتبارات، فإن كلتيهما تعدان انتصارين كبيرين. لكنهما تحققتا بثمن عالٍ. وقال لي كروان زيباري، الناطق بلسان الحكومة الكردية في واشنطن، إن نحو 1000 مقاتل كردي قد قتلوا منذ بداية الحرب ضد "الدولة الإسلامية" في الصيف الماضي. وقال زيباري: "كانت الخسائر عالية جداً لأن العديد من مقاتلي البشمرغة لم يكونوا مزودين بخوذ مناسبة أو تدريع جسدي". (للمقارنة: كان نحو 4491 جنديا أميركيا قد فقدوا أرواحهم في العراق في الأعوام الاثني عشر الماضية). وفي مفارقة صادمة مع الجيش العراقي المتخاذل، لا يحجم الضباط الأكراد عن خوض غمار المعارك: على الأقل، كان هناك جنرال من بين القتلى الذين سقطوا في كركوك.
وراء في الصيف، عندما صدمت الدولة الإسلامية العالم باندفاعاتها عبر الحدود السورية واستيلائها على الموصل؛ ثانية كبريات المدن العراقية، أعلنت الولايات المتحدة وأعضاء آخرون في الائتلاف المعادي للدولة الإسلامية في الحال عن خطط لتعزيز موقف الأكراد عبر تقديم دعم جوي لهم وشحنات أسلحة. وقد أحدث الدعم الجوي فرقاً كبيراً. وبالإضافة إلى ذلك، باشرت البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) برنامجاً لتدريب القوات الكردية -رغم أنه لم ينطلق فعلا سوى في الشهر الماضي. كما نشرت واشنطن المزيد من طائرات البحث والإنقاذ في الأراضي الكردية، للمساعدة في الحملة الجوية للائتلاف.
لكن تسليم الأسلحة للأكراد ما يزال متواضعاً، ويصل إلى بضعة آلاف وحسب من صناديق الذخيرة والبنادق ومنصات إطلاق الصواريخ -الكثير منها مقدم من الألمان وحلفاء الناتو في شرقي أوروبا. وفي الشهر الماضي، عندما سئل مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية عما فعلته واشنطن لدعم القوات الكردية على الأرض، أشار إلى شحنة من 25 عربة من طراز MRAP -عربات نقل مدرعة بشدة، وليست عربات قتال. حسناً، سوف تكون قادرة على التحرك من مكان لآخر على الأقل.
وفي الأثناء، يتصدى الأكراد، الذين يعرفون "الدولة الإسلامية" من تجربتهم الطويلة والمريرة، لعدو مجهز بترسانة غنية بالأسلحة الأميركية الصنع -عربات همفي ومدفعية ودبابات- كان قد غنمها من قوات الحكومة العراقية. وما يحتاجه الأكراد هو رشاشات ثقيلة وصواريخ مضادة للدبابات، بل والدبابات نفسها أيضاً. وما يزال جنودهم يسقطون في القتال ضد "الدولة الإسلامية" في الوقت الراهن -رغم أنهم يضطرون في بعض الأحيان إلى السعي للحصول على السلاح من الأعداء القتلى.
تجدر الإشارة إلى أن الأكراد هم من بين أكثر حلفاء واشنطن ولاء في الشرق الأوسط. كما أن القوات الأميركية لم تفقد أي جندي في الأراضي الكردية على مدار أكثر من ثمانية أعوام من حرب العراق.
إن الأكراد موالون على نحو جامح للأميركيين. ومع أنهم مسلمون سنة في سوادهم الأعظم، إلا أنهم يظلون معادين بثبات للنزعة الجهادية المتشددة. ومن المؤكد أن للحكومة الكردية في العراق مشاكلها، بما في ذلك الفساد والنزعة السلطوية وانقسامات العصابات. ومع ذلك، سيكون الرئيس أوباما رجلاً سعيداً لو أن نصف باقي العراق بدا جيداً كما هو الحال في كردستان.
لماذا تتباطأ الولايات المتحدة في استخدام عضلاتها خلف تعهداتها؟ الجواب، كما هي العادة: سياسي؛ إن أميركا لا تريد أن ترى العراق يتقسم إلى قطع. ولذلك تتردد في إعطاء المزيد من القوة للأكراد في الشمال. وتلك سياسة مفهومة كلية على السطح. إن تأسيس دولة كردية كاملة -في مقابل الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي الذي يتمتع به الأكراد في شمالي العراق منذ أقامت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران في أعقاب حرب الخليج في العام 1991- من شأنه أن يهز ميزان القوى الإقليمي، وقد يجلب جرعة مضافة من زعزعة الاستقرار لشرق أوسط غير مستقر أصلاً. ولهذا السبب، ما تزال الولايات المتحدة تعطي بغداد الحق في الاعتراض على شحنات الأسلحة للأكراد.
لكن، دعونا نكُن واقعيين. إن كل متابع للقصة يعرف أن الحكومة الكردية الذاتية في شمالي العراق موجودة هناك لتبقى. ومن غير المرجح أن ترسل بغداد قوات لاجتياح داخل تلك الأراضي ضد رغبة الأكراد. ولذلك، فإن امتلاك الأكراد دبابات أو مدفعية يعد شأناً غير ذي صلة بمسألة الوجود المستمر للعراق كدولة. وقد أظهر الأكراد أنهم راغبون في تجاوز فكرة استقلالهم التام طالما كانوا يتمتعون بحرية واسعة فيما يتعلق بشؤونهم الخاصة واقتسام الموارد الوطنية العراقية المستحقة لهم. تلك صفقة جيدة -وهو ما يفسر حقيقة أن بغداد وأربيل وقعتا، قبل أسابيع قليلة وحسب، اتفاقية نصت على هذه الأمور بالضبط. وثمة بعض التلميحات إلى أن الجانبين يتعاونان بشكل أفضل في ميدان المعركة حالياً، وهو أمر مستحق منذ طويل وقت.
إن الفكرة بسيطة: تستطيع واشنطن فعل ما هو أكثر مما فعلته حتى الآن لمساعدة الأكراد. وإذا كنا نريد حقاً إلحاق الضرر بالدولة الإسلامية، فهذه هي الكيفية التي نستطيع بها فعل ذلك الآن.*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
Want to Hurt the Islamic State? Here's How
كريستيان كاريل - (فورين بولسي) 6/2/2015
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
تعليقات
إرسال تعليق