لم يجانب سعدالله ونوس – رحمه الله – الصّواب، عندما رفض النهايات التطهيرية في نهاية مسرحياته السياسية، وقد أثبت ذلك في مسرحيته ” حفلة سمر من أجل خمسة حزيران ” المسيّسة وغيرها من أعماله الأدبية، وقد كان يحذّر من النهايات التطهيرية في مسرح الماغوط، حيث النهايات الرومانسية الإيجابية التي تبث الأمل والنصر والصحوة العربية في نهاياتها، فيخرج الجمهور بعد مشاهدة المسرحية إلى الشوارع، وقد تخلّص من كل همومه الوطنية، منتشياً بالنصر والتحرير والعودة إلى فلسطين، فضلاً عن الانتصار الغامر على طغاة العالم كلهم، والظلم والقمع للحريات والأفراد، والفساد واغتصاب لقمة الفقراء …
إن الأمر لا يختلف كثيراً على صفحات الفيس بوك، بل هو الوجه الآخر من العملة ذاتها، فمعارك الفيس بوك طاحنة، وحدّث ولا حرج، حيث أن الجمهور يفرّغ كل ما بداخله من غضب ورفض واستنكار وشجب، من خلال الملصقات الصارخة والمدويّة، ملصقات ناريّة تنادي بالثورة على كل ما هو تقليدي متخلّف، وكل ما هو تغييب للعقل بعيداً عن العلم والمنطق، جنباً إلى جنب فتح الجبهات العريضات والتجييش ضد الاحتلال وممارساته القمعية التي لا تنتهي، والتهليل باقتراب التحرير والنصر والعودة الفيس بوكية الحتمية، بالرغم من متتاليات التقتيل والاعتقالات …
يُغِلقُ المنتصر المنتشي بانتصاره الفيس بوك مفتخراً بالملصق الذي زين به صفحته، وينتظر التعليقات والإعجابات التي ستنهمر عليه، وكأنها برقيات التهنئة بتحرير وعودة ما اغتصب، أو تحقيق الثورة لأهدافها، وانتصار الطبقة العاملة، ولا تكون هذه التعليقات سوى كلمات فارغة المحتوى الفكري والثقافي، فكم من تعليق لا يتعدى: رائع، جميل، صحيح مئة بالمئة، مجرد عبارات إنشائية سطحية وعقيمة فكرياً وثقافياً، فضلاً عن العبارات الدينية الاتكالية والبعيدة عن العمل، المسكّنة لآلام متلازمة الوجع العربي المزمن، والتي لا تحرر شبراً ولا تبشر بانتصار ثورة أو انتهاء عدوان، فالأدعية ليست مضادّة للطائرات!!!!!
كلما اقترب الخامس عشر من أيار، كلما ازدادت حمى الحرب الفيس بوكية، واستأسدَ الجيش العربي وشَحن الهمّة للمعركة، وتزاحمَ المرابطون على ثغرة من ثغر الفيس بوك، المتفرغون للنضال المؤتمت ليل نهار، الذي رصاصه صائب لا محالة وفي الأحوال كلها، فالجبهات مشتعلة والقصف مقيم، بين المشردين والمهجّرين والمظلومين والمسحوقين والكادحين والمهضومين الحقوق، وبين مغتصبيهم، هي معارك افتراضية وهمية، ولكنها تشفي الغليل، ونخرج منها منتصرين ترفرف رايات النصر على صفحاتنا، وقد تطهّرت ضمائرنا وأُعتقت من خوض المعارك الحقيقية!!!
فطوبى للفيس بوك ومن أوجده، فهو أكبر مروّج للمعارك التي ننتصر فيها قبل أن نخوضها، المعارك التطهيرية !!!!!
خولة مغربي
تعليقات
إرسال تعليق