القائمة الرئيسية

الصفحات

مارتن لوثر كينج: مُحارب قتله ''الحلم''



ديسمبر من العام 1955، كانت روزا باركس، الأمريكية السمراء اللون، تجلس بداخل إحدى الحافلات بولاية ألاباما، حين طالبها رجل أبيض بترك مقعدها، غير أنها رفضت؛ فاستدعى السائق الشرطة لتلقي القبض على السيدة. كانت تلك الواقعة علامة فارقة في قصص نضال السود لحصولهم على المساواة، عقب ذلك اليوم انطلقت احتجاجاتهم في الولاية، قادها الناشط مارتن لوثر كينج، إذ قاطعوا شركة الحافلات لمدة 382 يومًا، فأصدرت المحكمة العليا بالولايات المتحدة قرارًا بعدم دستورية القوانين التي تفرض الفصل في الحافلات بين الزنوج والبيض، منذ ذلك الحين صار كينج عرّابًا للسود، لقي خلال سنوات حياته الـ39 عنصرية وإيذاء، لكنه لم يعبأ إذ كان حلمه بالتغيير يقوده دائمًا.
عاش لوثر كينج في ولاية جورجيا، حيث عانى من الفصل في كل شيء؛ المواصلات العامة، المدارس، المطاعم وغيرها، لكنه استطاع الحصول على دكتوراه في اللاهوت عام 1955.
كان المناضل الراحل -المولود عام 1929- خطيبًا مفُوهًا، ذاب داخل رحاب الكنائس، إذ كان جده قسيسًا، وكذلك والده، رسّخ فيه ذلك قيم التسامح، لم يسعَ يومًا للعنف حتى أنه حورب من بعض القادة السود الداعين للعنف ردًا على عنصرية البيض، وقد لاقى محاولات عدة لإرهابه، خاصة عقب حادث الحافلة، إذ تم اعتقاله، ثم إلقاء قنبلة على منزله فيما يخطب بأنصاره، وحين عاد وجد جمعًا من الغاضبين المستعدين للانتقام؛ فقال لهم: "إننا لا ندعو إلى العنف".
الزعيم الهندي غاندي، كان أحد الذين أثروا في فكر المناضل الأمريكي، إذ سار على دربه في عدم معاداة أي شخص، كان دستوره: "الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام؛ الضوء فقط يستطيع أن يفعل ذلك؛ الكراهية لا يمكن أن تطرد الكراهية؛ الحب فقط يمكن أن يفعل ذلك". مع كل مرة تعرض فيها لوثر كينج لمحاولة إسكاته كانت مكانته ترتفع، واستطاع بذكائه اقتناص الفرص لصالح القضية. فقد استغل فرصة حصوله على ميدالية "سنجارن"-تُعطى لمن يقدم مساهمات فعالة ضد العنصرية- ليطالب بإعطاء حق الانتخاب للسود، ونجحت مساعيه فيما بعد لتسجيل 5 ملايين أمريكي من أصل إفريقي في سجلات الانتخاب الأمريكية. كان كينج مسالمًا، لكنه حاسمًا فيما يتعلق بحقوق السود.

مسيرة المطالبات انطلقت بشكل أكبر بعدما اُنتخب لوثر كينج رئيسًا لمؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وهي منظمة أخذت قيمها من المسيحية وتسعى لتوفير الحقوق المدنية للبشر. "الحلم" الذي تمسك به المناضل ظل حيًا حتى بعد اصطدامه بشكل مباشر مع السلطة الأمريكية، إذ كان الرئيس جون كيندي غير حاسم فيما يتعلق بقضايا السود، فاستمر كينج بالضغط، وقاد سلسلة تظاهرات في مدينة برمنجهام، ما أدخل المحتجين في اشتباك مع الشرطة؛ فيه استخدمت الكلاب الشرسة ضدهم والعصى، وخرج أمر قضائي يمنع الاحتجاجات، غير أن كينج لم يعبأ بذلك، وقاد تزاهره اخرى اُلقي على إثرها بالسجن للمرة الثانية، إلا أنه حين خرج هذه المرة كان مريدوه قد أصبحوا أكبر عددًا، وانطلقت تظاهرات أخرى، شابها العنف من الغاضبين.

التظاهرات كانت كاشفة لمعدن السلمية لدى كينج، إذ حاول تهدئة وتيرة العنف، وحينها ألقى خطابه الأشهر "لدي حلم" وسط الجموع البالغ عددهم أكثر من 250 ألف شخص "الأمر قد يُصبح مُهلكاً إن تغافلت الدولةُ عن إلحاح هذا الوقت، أو استخفت بعزيمة الرجل الأسود. لن يمرّ صيف السخط القائظ هذا حتى يأتي خريف يُنعش في هذه البلاد الحرية والمساواة . وإن عام 1963 ليس النهاية، بل البداية"، كان مقصد كينج من خطابه تحفيز الناس على استمرار التظاهرات، لم يطمع إلى منصب أو زعامة، غير أن مجلة التايم أطلقت عليه عام 1964 لقب "رجل العام"، وحصل على جائزة نوبل للسلام، وهو في الخامسة والثلاثين فقط.
"لدي حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف تنهض دولتنا وتُحيي المعنى الحقيقي لعقيدتها فتقول إننا نلتزم بهذه الحقائق لتكون بيّنةً بأن الجميع خُلقوا متساوين". ربما لم يتحقق له ما أراد وهو على قيد الحياة، لكن حلم كينج صار نبراسًا لمن بعده، فله عاش ومن أجله قُتل برصاصة في الحنجرة، في الرابع من إبريل 1968، على يد أحد المتعصبين فيما كان يستعد لإلقاء خطاب بمدينة ممفيس بولاية تينيسي.

 
Reactions

تعليقات