عاد الحديث مجدّداً عن حمية باليو paleo كنظام غذائي يمكن اتباعه بعدما نعتها البعض في الماضي بحمية الخرافات. فما هي باليو؟ وما أهميّة هذا الغذاء من الناحية الصحيّة؟ وهل هو حقيقة أم خرافة؟ هذا ما سنكشف عنه في هذا المقال.
البداية من الزرافة!
تصبح حمية PALEO واضحةً إذا فكرنا لمدّة دقيقة بالزرافةّ، فمن المعروف أنّ للزرافات أعناقاً طويلة جميلة تطورت (الصحيح خلقت) كي تتكيّف في بيئة معينة. ففي بيئتها الطبيعية تتغذى الزرافة، على سبيل المثال، على أوراق أشجار السنط Acacia العالية التي تنمو بسهولة إلى ارتفاع 30 قدما. ويعتقد العلماء بأنّ الزرافات ذوات الأعناق الأقصر لا يمكن أن تتواجد في البيئات التي تنمو فيه أشجار السنط لأنها ستتعرّض للجوع والموت ويربطون ذلك بجينات خاصّة تملكها الزرافات ذوات العنق الطويل وليست موجودة في أمثالها من الجنس ذات العنق القصير.
وبهذا المثال يؤكد العلماء على ضرورة تجانس الجينات مع النظام الغذائي فيسقطون الفكرة ذاتها على البشر، وينصحون بالعودة إلى أنماط الغذاء التي كانت قائمة ومستخدمة من الجنس البشري لأكثر من 100 ألف سنة، حينما كان الإنسان يحصل على الطعام عبر مطاردة الفرائس وصيد الأسماك ونتف الطيور. وفي وقتنا الحاضر تدعو الفئات المؤيّدة لحمية «باليو» إلى مقاطعة الكثير من أنواع الغذاء التي لا تتوافق مع ما خلقت جيناتنا من أجله، واستمرّت البشريّة عليه قبل أن يفتح أول سوبرماركت عام 1930 (أي منذ أقل من 100 سنة مضت) ويعطى أول امتياز لمطعم ماكدونالدز عام 1953.
مبادئ باليو
تقوم «باليو» على فكرة بسيطة مفادها «كلّ ما هو مناسب لتغذية جيناتنا هو مناسب لنا». لذلك ترتكز الحمية على ثلاثة أشياء في النظام الغذائي هي الألبان والبقوليّات والحبوب، وتحظر السكر والأطعمة المعالجة. كما تشمل قائمة «باليو» تناول الكثير من اللحوم والدواجن والأسماك، وكذلك التوت والمكسرات، والفواكه والخضروات. ويشير أنصار باليو إلى أن المحاصيل مثل القمح والذرة والبطاطس تشكّل جميع المنتجات الزراعيّة الحديثة.
إنّ الذين يتبعون «حمية باليو» يبرّرون ذلك بحاجة وراثيّة تجذبنا ببساطة لهذا النوع من الغذاء، كما يؤكدون على أنّ تناول هذه الأطعمة يمكنّنا من الحصول على غالبية السعرات الحرارية التي نحتاجها فليس من قبيل المصادفة، بحسب رأيهم، أنّ مصادرنا الأساسيّة من السعرات والغذاء موجودة في مثل هذه الأطعمة.
محاذير حول الحمية
بالرغم من عدم وجود دراسات أكيدة حول «حمية الباليو» فإنّ التجارب السريريّة تؤكد فوائدها الصحيّة وتأثيرها الإيجابي في مكافحة العديد من أمراض الجهاز الهضمي. وقد أشارت بعض الإحصاءات إلى وجود حالات قليلة، من المتحوّلين إلى هذه الحمية حدثت لهم بعض المشاكل في الجهاز الهضمي وانتابتهم رغبة شديدة في تناول السكر. ويعتقد خبراء «الباليو» بأنّ وجود مثل هذه المشاكل في الجهاز الهضمي قد يكون سابقاً للبدء بتناول هذه الأنواع من الأطعمة، وما يحدث هو أنّ الأعراض تصبح أكثر وضوحاً مع اتباع هذا النظام الغذائي الصحي بعدما كانت تختفي وراء العادات الغذائية السيئة.
يقارن المؤيّدون لهذه الحمية بين ما يحدث عند التوقف عن التدخين من شعور الكثير من الناس بالقلق (بالرغم من كون القلق كان موجوداً قبل ولكنّ المدخّن يتوهّم بأنّه يبدّده بممارسة التدخين) وبين الأشخاص الذين يشعرون بارتفاع حمض المعدة مع قائمة أطعمة «باليو» (قد تكون المشكلة موجودة ويتم تغطيتها بتناول عدد أقل من الأطعمة التي ترفع حمض المعدة) أو بظهور التهابات في الأمعاء تبرز عند البدء بالحمية (قد يكون اتباع نظام غذائي منخفض الألياف يخبئ التهاب مزمن في الأمعاء).
لذلك يدافع مؤيدو الـ«باليو» عن الحمية مؤكدين بأنّ اتباع خيارات غذائية غير صحيّة هي التي كانت تخفي مشاكل جديّة في الجهاز الهضمي عبر قمع الأعراض الظاهرة. لذلك ينصح هؤلاء بالبحث عن الأسباب الرئيسيّة وراء مثل هذه المشاكل مثل الطفيليات، البكتيريا والفطريات واستشارة الطبيب لوجود حلول لها.
وصفات الأجداد
مع الكثير من الجدل حول حمية «الباليو» ما لها وما عليها، تبقى حقيقة مؤكدة بأنّ أفضل نظام غذائي يجدر اتباعه هو البعيد من الأطعمة المعالجة والمصنّعة والقريب، إلى الحدّ الأقصى، في مصدره من الطبيعة. وفي خلاصة الكلام هذا بالضبط ما هي عليه حمية الـ«باليو». إنّ وصفات الغذاء الحقيقي هي التي من شأنها أن تنتقل عبر جدتك وجدة جدّتك إليك أساس النظام الغذائي الصحي في كلّ زمان.
ومن الأطعمة التي ينبغي التركيز عليها في حمية «الباليو» اللحوم والمأكولات البحرية، والمنتجات الحيوانية التي تعتبر مصدراً مهمّا للبروتين الذي يؤمّن 10 - 35٪ من السعرات الحرارية. كما يوصي المدافعون عن هذه الحمية باستهلاك الدهون غير المشبعة الأحادية كدهون أوميجا 3 وتجنب الدهون المشبعة الموجودة في الوجبات السريعة. ومن مرتكزات الـ «بايلو» أنّها تحتوي على عدد أقل من الكربوهيدرات التي تؤمنها الخضروات غير النشوية وتوفّر مصدراً للسعرات الحرارية اليومية يبلغ 35 - 45٪. كما تحتوي على نسبة عالية من الألياف التي تؤمنها الخضروات والفواكه غير النشوية وليس الحبوب.
فوائد الـ«باليو»
يعتقد المؤيدون لحمية الأجداد أو «حمية إنسان الكهف» كما يطلقون عليها بأنّها تحسّن نسبة الدهون في الدم، تعالج أمراض المناعة الذاتية وتؤمن للجسم صدراً مهمّاً من الفيتامينات والمعادن، ومضادات الأكسدة. ويسعى الخبراء حاليّاً للبحث أكثر حول الخصائص الغذائية «لحمية الباليو» ومحاولة إسقاطها على النظام الغذائي المعاصر وتحديد نسب البروتين والكربوهيدرات والدهون تبعاً لما كان عليه لنظام الغذائي للأجداد.
تعليقات
إرسال تعليق