“ما هو أسوأ من الطلاق، هو أن تُبتلى بطليق بلا خُلق”، بهذه الجملة تفتح ميساء حكايتها مع الطلاق، مضيفة: “كلما حاولت أن أجعل الأمر يسيرا عليّ وعلى أبنائي، وجدته يجرني إلى حروب أكبر.. رغم مرور سنوات على طلاقنا، إلا أنه ما يزال يفعل ما ينغص به حياتي، ويلاحقني في كل مكان، ويقوم بتشويه سمعتي ويختلق الأكاذيب حولي”.
كانت ميساء (35 عاما)، قررت الانفصال عن والد أطفالها، بعد مرور 15 سنة على زواجهما، حاولت خلالها جاهدة لتجعل من زواجهما ناجحا نفسيا وجسديا، إلا أنّ كل محاولاتها باءت بالفشل، أمام عناده وإصراره على أن علاقتهما مثالية وأنها متطلّبة ولا شيء يعجبها.
أحبّته وتزوجت به أثناء دراستها الجامعية، ومع مرور الوقت كان الزواج يتحول إلى مجرد واجب جسدي، أو عملية وظيفية، أما أحاديثهما المشتركة فكانت تنحصر في الأولاد واحتياجات المنزل. وحين كانت تثور مُحاوِلةً انتشال زواجهما من سباته، كانت تُقابل بالتجاهل والاستهزاء. وبعد سنوات من محاولة إقناع العائلة بالطلاق؛ حيث لم تكن العائلة ترى في نفورها من زوجها سببا كافيا للطلاق، وأن عليها أن تتجاهل حاجاتها ورغباتها وتستمر العائلة، حتى وإن كانت علاقة لا روح فيها ولا حياة، حفاظا على صورة العائلة والزواج.
وقررت ميساء أن تذهب وحدها وترفع قضية “خلع”، فما كان من أسرتيهما إلا أن جمعوها بزوجها بالإكراه مرة أخرى تحت سقف واحد، لتبقى معه شهورا أخرى، ثم تعود مجددا لرفع قضية “خلع” وتمضي فيها.
تقول ميساء بأنّها بعد طلاقها كانت تخبر أبناءها طوال الوقت بأن والدهم هو من كان يدفع كل قرش أنفقته عليهم، رغم أنها هي من كانت تفعل ذلك، وأنها كانت حريصة ألا تذكره بالسوء أمامهم، رغم أنه تزوج بعد طلاقها منه بسنة واحدة، وأنّها حين همّت بالزواج بعد ثلاث سنوات من طلاقها منه، قال إنها غادرته للزواج من رجل آخر.
وتلخّص قائلة: “لست على استعداد لأن أخسر أخلاقي وأبنائي، من أجل أي شخص حتى لو كان والدهم، أبنائي هم أجمل ما لدي، ولن أسمح بأن تمتلئ نفوسهم بالحقد وتسود نظرتهم إلى الحياة، الطلاق أمر صعب ولكنّ الله شرعه لمن تقطعت به سبل الوصال الروحي والجسدي مع زوجه، وهو أمر يقع كل يوم، ولن أجعله يدمر حياة أبنائي ونفسياتهم، كما أني لن أنساق إلى معارك لا أخلاق فيها.. أفعل هذا من أجل أبنائي وأخلاقي”.
ماذا تخبر تصرفاتك وأخلاقك بعد الطلاق عن شخصيتك؟
تعكس تصرفات وسلوكيات المرء بعد الطلاق شخصيته وأخلاقه ومدى نضوجه النفسي والعاطفي وقدرته على التعامل مع المشاكل والأزمات أثناء الزواج، فالطلاق رغم أنه يشكل صدمة كبيرة إلا أن الصدمات لا تحدث تغيرا دراماتيكيا في سلوك وأخلاق الإنسان، ولذلك فإنّ تصرفات الإنسان في الطلاق تعكس شخصيته وطريقته في إدارة الزواج؛ فالأشخاص الذين يتمتعون بشخصيات متزنة وعقول ناضجة، وأخلاق سويّة، لن تتغير صفاتهم بعد الطلاق.
تقول القاعدة الأولى في التعامل مع الطلاق إن ما كان خاصا خلال الزواج يجب أن يبقى خاصا بعد الطلاق؛ أي أن الأمور الخاصة والمتعلقة بشخصية الزوج الآخر والعلاقة الجنسية وعادات وسلوكيات كل طرف وحتى الأمور المالية، هي أمور لا تصح مناقشتها بعد الطلاق حتى مع الأبناء، ويعكس الالتزام بهذه القاعدة أخلاقا رفيعة وشخصية متزنة لدى الشخص المطلق.
أما الأشخاص الذين ينشرون أسرار زواجهم وينتهكون قدسية الزواج بعد الطلاق، فهم في الغالب أشخاص كانوا غير قادرين على إدارة زواجهم بشكل جيد ولم يكونوا يحافظون على أسرار هذا الزواج حتى وإن تظاهروا بذلك، وأن هذا السلوك تفاقم بعد الطلاق، فهؤلاء الأشخاص لا يُخلق لديهم هذا السلوك بشكل مفاجئ بعد الطلاق، بل هناك سلوك موجود أصلا ويصبح أكثر سوءا بعد الطلاق.
وتخبرنا سلوكيات الأشخاص الذين يبالغون في لوم الطرف الآخر بعد الطلاق، ومحاولة إظهاره كشخص فاشل أو لعوب، أو اتهامه بالكثير من الاتهامات، ومحاولة تشويه صورته، وإيجاد أسباب خارجية لوقوع الطلاق، بأن هؤلاء الأشخاص غير قادرين على تحمل المسؤولية، ولديهم نزعة شديدة إلى الدفاع عن صورتهم، ولا يتحملون مسؤولية تصرفاتهم أثناء الزواج، ولديهم استعلاء وأنانية وحب ذات يمنعهم من الاعتراف بدورهم ومسؤوليتهم عن وصول الزواج إلى النهاية، وهذا الأمر يعيق أي محاولات لإصلاح وترميم الزواج. وكلما حاول هؤلاء الأشخاص إثبات صدقهم وتلفيق اتهامات ولوم أكثر للطرف الآخر أخبر ذلك الآخرين عن أنهم أشخاص دفاعيون ويحاولون تضليل الآخرين، لا سيما الأبناء. والاستمرار في ملاحقة الزوج/الزوجة السابقة، وما يرافق ذلك من انحدار مستوى الخلافات في بعض الأحيان، وأخذ وقت طويل في الخروج من الأزمة، يؤدي إلى الاستمرار في دوامة الغضب لفترات أطول، ويعطل حياة الشخص الذي يقوم بالمُلاحقة.
وفي الجانب الآخر، فإنّ التعامل مع الطلاق بشكل أخلاقي، والمحافظة على أسرار الزواج بعد الطلاق، والامتناع عن ملاحقة الزوج السابق وتتبع أخباره، وكذلك الامتناع عن الحديث عنه بالسوء خصوصا أمام الأبناء، يعكس أخلاقا وسلوكا متحضّرين، وإحساسا بالمسؤولية، كما يعكس قدرة نفسية وذهنية عالية على تجاوز الصعوبات والتعامل معها بشكل صحيح، وإحساسا بأهمية صحة الأبناء النفسية وحقهم في حياة جيدة حتى وإن وقع الطلاق، وهو لا يعني مطلقا أن هذا الشخص غير متأثر بالطلاق؛ فلا يوجد طلاق غير مؤلم، ولا يوجد طلاق لا يحدث تغييرا مهما في حياة الإنسان. ولكن هناك فرق بين من يتعامل مع الألم بأخلاق واتزان ويجد المكان والشكل الصحيح والآمن للتعبير عن ألمه وحزنه، ويجعل منه دافعا للحياة والعمل، وبين من يجعل من ألمه مبررا لسوء الخلق واجتراح الفضائح والمشكلات وفقدان الدافع للعمل والإنجاز.
يقول وليد عن طلاقه، بعد 15 عاما من الزواج، استحالت فيها الحياة إلى مشاجرات ومقاطعة: “أخلاقي وكونها أم أولادي، تمنعني من أن أفعل ما تفعل هي إزائي، أحاول التركيز على علاقتي بأبنائي، وأحافظ على مستوى معيشي مرتفع لا أرضى لهم أقل منه، لأنهم أبنائي، ولكنها لا تتركنا ننعم بعلاقة صافية، وتستمر في شتمي أمامهم وتحريضهم على كرهي حتى أمام الناس، وأنا أرفض حتى أن أحدثهم عن سوء معشرها، وعن محاولاتي المضنية لإنقاذ زواجنا، لأني ببساطة أحافظ على أسرارها كما لو كانت زوجتي، ولأنها ما تزال وستبقى أم أبنائي... حتى لو افترضنا أن الطلاق معركة، فالمعارك التي تحكمها الأخلاق أخف وطأة وخسائر من تلك التي تحكمها الأحقاد وسوء الخُلق!”.
ربما يكون الزوج السابق سببا في إفساد الزواج، لو سلّمنا جدلا أن الزواج يقوم على شخص واحد فقط وليس على شخصين يتفاعلان معا ويتحملان مسؤولية الزواج والمصير الذي يؤول إليه، ولكن ما لا يمكن قبوله أو الاقتناع به هو أن الزوج السابق هو المسؤول عن حياتنا وتصرفاتنا بعد الطلاق، لأن هذا قرار نتخذه وحدنا ونقوم بتنفيذه، ونحن أول من يتضرر منه ويدفع ثمنه، ثم الأبناء إن كان هناك أبناء في هذا الطلاق.
تعليقات
إرسال تعليق