القائمة الرئيسية

الصفحات

تغيرات في الجسم تنجم عن تلوث الهواء


تستخدم دراسة كندية عددا من المتطوعين وتعرضهم لتنفس الهواء الملوث الذي نجده في الكثير من مدننا، وذلك لمعرفة تأثير المواد السامة على الجينات لدينا.
وحظي تلوث الهواء باهتمام كبير في الآونة الأخيرة، وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن تصبح الإصابة بمرض "الانسداد الرئوي المزمن (سي أو بي دي)" ثالث مسبب رئيسي للوفاة المبكرة في شتى أنحاء العالم بحلول العام 2030.
وهذا المرض يرتبط عادةً، وليس دائما، بالتدخين. وتشير الأبحاث إلى أن تلوث الهواء، ولا سيما بعادم الديزل، ربما يكون أحد أسباب إصابة غير المدخنين بهذا المرض.
ويقول جيريمي هيروتا، الأستاذ بجامعة بريتش كولومبيا، إن عادم الديزل هو أحد الملوثات المنتشرة في كل مكان في البلدان النامية؛ حيث تعتاد "رؤية سُحب من الدخان الأسود المتصاعد من الشاحنات". وهذا السخام الأسود ما هو إلا جسيمات الديزل.
ويُدرَس تلوث الهواء في الغالب من خلال تتّبع أنماط المرض وتأثير الملوثات التي تندرج ضمن قائمة طويلة. بيد أن هواء المدن يعجّ بالغازات والجسيمات الصغيرة، ولذا كانت مهمة تتّبع أنماط المرض، أو بالأحرى علم الأوبئة، بحثا عن روابط بين السبب والأثر، تبدو مهمة شاقّة.
ولهذا السبب، تعدّ هذه الأساليب القائمة على التجربة مفيدة ومهمة. فإن تعريض كل متطوع لخليط مُراقب من الهواء النظيف، أو هواء ملوث بالديزل، بترتيب عشوائي، يعني أن المتطوع لا يعرف إن كان الهواء الذي يتنفسه ملوثا أم نظيفا، ومن ثم يقوموا أيضا بدور المجموعة الضابطة لمقارنة النتائج.
واستنادا إلى هذه الطريقة، يقوم كل من كارلستون وهيروتا، وهما أستاذان في كلية الطب بمركز الأمراض التنفسية الناتجة عن أسباب بيئية ومهنية، بجامعة بريتش كولومبيا، بدراسة كيفية تأثير جسيمات التلوث علينا فور استنشاقها.
هل تزول الآثار؟
يقول دكتور ديفيد دياز-سانشيز، رئيس فرع البحث السريري، بالمعمل الوطني للأبحاث في مجال الآثار الصحية والبيئية، التابع للوكالة الأميركية لحماية البيئة، مفسرا أن هذا ما يُعرف باسم تبدّل بالتخلق المتوالي.
فثمة عوامل بيئية مثل التلوث والنظام الغذائي والتوتر "قد تتحكم في تفعيل الجينات وتعطيلها، أو قد تؤثر على طريقة نظر الخلية إلى تلك الجينات". وحتى الآونة الأخيرة، لم يتوافر إلا القليل من الأدلة التي تثبت أن التلوث قد يكون له هذا التأثير الكيميائي متعدد الأثر. ولكن بدأت الأمور تتغير.
فهل هذه التغيرات التي تطرأ على نمط التطور اللاجيني أو ما يسمى بالتخلّق المتوالي بسبب تلوث الهواء تزول بزوال المسبب؟ هذا ما لا نعرفه بعد. فلا نظن أن التغيرات من خلال التخلق المتوالي الناتجة عن تلوث الهواء طويلة الأمد، ولكن لن نتثبت من هذا الأمر إلا بمرور الوقت وبعد إجراء المزيد من الأبحاث.
ويقول نيل أليكسيس، الأستاذ بقسم طب الأطفال بجامعة نورث كارولينا، ومركز الطب البيئي والربو والدراسات البيولوجية للرئتين إن من بين الطرق التي تستجيب بها الرئتان في أجسامنا هي من خلال الالتهابات، التي تمثل استجابة الجسم الإيجابية لأي أذى.
وعلى أي حال، فإن بيولوجيا الرئتين "تنطبق عليها المقولة المعروفة نفسها، إن الأشياء المقبولة إن زادت على الحد انقلبت للضد، ولذا فينبغي في نهاية الأمر تسكين الالتهاب أو علاجه"، على حد قوله.
وهذه إحدى وظائف النظام الدفاعي للجسم بأكمله. فإن التعرض للهواء الملوث، ربما يضرّ بوظائف الرئتين، ومن ثم يعيق قدرتنا على التنفس.
أما عن الأشخاص الذين يعانون بالفعل من أمراض في الممرات الهوائية مثل الانسداد الرئوي المزمن والربو، فهؤلاء قد تغيرت الأنظمة الدفاعية لأجسامهم، حتى وصل بها الحال إلى أنها تقوم بوظائفها الدفاعية إما بصورة مفرطة أو أقل مما ينبغي. ويقول ألكسيس، إنه في سياق الهواء الملوث، "فإن كلتا الحالتين لا يحمد عقباهما".
وبحسب تقدير كارلستن، فإن 15 في المائة على الأقل من حالات الانسداد الرئوي المزمن حول العالم لها علاقة بتلوث الهواء. وهذا أمرٌ مهم، فمقارنةً بالربو، ينطوي الانسداد الرئوي المزمن على عبء اجتماعي واقتصادي هائل.
فبينما يعد الربو انسدادا في الممرات الهوائية ويزول سريعا بالعقاقير، فإن في حالة الإصابة بداء الانسداد الرئوي المزمن، تصبح شبكة أنسجة الرئتين الشبيهة ببيت العنكبوت، مليئة بالثقوب الناتجة عن الأنسجة الضامة المقطوعة التي يتعذر علاجها.
وإذا نظرت إلى ما أُجري من أبحاث عن تلوث الهواء، "كان أغلبها عن علم الأوبئة والعلوم الأساسية"، على حد قول كارلستون، وأضاف أن الركن الثالث إذن، هو تجارب تعريض البشر للتلوث على نحو يخضع للمراقبة.
وتابع "تاريخيا، عندما اتخذت قرارات سياسية بصدد تلوث الهواء، كانت خطوة تعريض البشر (للتلوث) على نحو خاضع للمراقبة دوما أمرا بالغ الأهمية".
ويرى كارلستون أن هذا يرجع إلى أن هذه الدراسات خاضعة للرقابة مما يُصعّب على الجهات المسؤولة عن التلوث التشكيك في صحة البيانات.
ويشير دياز-سانشيز، إلى أن الطريقة المثلى لتلافي ما يترتب على تلوث الهواء من مآلات صحية تضر بالسكان، هي بالطبع تفادي إنتاج ملوثات الهواء في المقام الأول.
ويردف "هذا مجالٌ يتطور بخطى حثيثة. فمنذ خمس سنوات خلت، لم يُجر من الأبحاث في هذا المجال إلا النزر اليسير، وستزداد أهميته في هذا الصدد مع الوقت". -(بي بي سي)

 
Reactions

تعليقات