يتساءل العديد من الناس عن ماهية الاكتشاف الجديد الذي جاء به العلماء تصديقا لنظرية اينشتاين الذي وضعها قبل 100 عام.
وكان فريق علمي دولي قد أعلن قبل نحو أسبوع عن اكتشاف مذهل يمكنهم من فهم الجاذبية، وذلك عن طريق رؤية التواء الزمكان (الزمن والمكان) الذي حصل نتيجة اصطدام ثقبين أسودين من مسافة تتجاوز مليار سنة ضوئية عن الأرض -أي أن الاصطدام وقع قبل مليار سنة ونيف، ولكن آثاره يتم الاستشعار بها الآن. وهذا الاكتشاف يعد تتويجا لعقود عديدة من البحث والاستقصاء، وتوفر في نهاية المطاف فرصة لمعرفة ما الذي حصل في "الانفجار الكبير" الذي أفضى الى خلق الكون.
تمكن مرصدان تابعان لمرصد LIGO في الولايات المتحدة من رصد اصطدام الثقبين الأسودين، وهو حدث أدى الى انبعاث طاقة جاذبية تعادل 3 أضعاف كتلة الشمس. ويتألف مرصد "ليغو" من ذراعين متعامدتين داخل نفق من الخرسانة، طول كل ذراع 4 كلم، وحزمة من أشعة الليزر، تنعكس في الاتجاهين بمرايا في نهايتي كل نفق.
وحين تمر موجة جاذبية تتسبب بتمدد المكان وتقلصه، حسب نظرية آينشتاين في تمدد وتقلص الذراعين بصورة متبادلة، حيث تتمدد ذراع، فيما تتقلص ذراع أخرى وبالعكس. وحين تغيّر الذراع طولها، يختلف الوقت الذي تستغرقه أشعة الليزر للمرور فيها. ويعني هذا أن الحزمتين لا تعودان "متساويتين" إحداهما مع الأخرى، وينتج من ذلك ما يسميه العلماء "نمط تداخل".
تكون التغييرات في طول الذراعين ضئيلة للغاية، تبلغ أجزاء من قطر الذرة، لأن الإشارة الآتية من موجة الجاذبية في الكون تكون في منتهى الصغر حين تصل إلى الأرض.
علاوة على صعوبة التقاط هذه الإشارة، تزداد العملية تعقيدا بكل أشكال الاضطرابات، التي تحدث في موقع المرصد "ليغو"، من اهتزاز الأرض إلى تقلبات الشبكة الكهربائية، بل حتى "ضوضاء" الآلات، التي يمكن أن تحاكي الإشارة الحقيقية الآتية من الكون أو تطغى عليها.
لتحقيق الحساسية الفائقة، بمعزل عن هذه الاضطرابات، جرى تحديث كل جانب تقريبا من تصميم المرصد بجهازيه العملاقين خلال السنوات القليلة الماضية. وتبين أن كتلة الثقبين الأسودين اللذين تصادما تزيد 29 و36 مرة على التوالي على كتلة الشمس، وإن هذا كان أول دليل مباشر على وجود الثقوب السوداء وعلى إمكانية وجودها في منظومة ثنائية وإمكانية تصادمها واندماجها.
وقال البروفيسور دافيد رايتز، المدير التنفيذي لمشروع LIGO، للصحفيين في واشنطن "لقد تمكنا من اكتشاف موجات الجاذبية. هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الكون الينا من خلال هذه الموجات، فقد كنا الى هذه اللحظة صما".
وقال البروفيسور كارستن دانزمان، من معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية وجامعة ليبنيتز في هانوفر بألمانيا، وهو الذي يترأس الجانب الأوروبي في مشاركة LIGO، إن الاكتشاف الجديد من أهم التطورات العلمية منذ اكتشاف جزيئة هيغز ولا يقل أهمية عن اكتشاف تركيب الحامض النووي DNA.
وقال دانزمان "لا شك لدي بأن هذا البحث سيحوز على جائزة نوبل، فهذه هي المرة الأولى التي تكتشف فيها موجات الجاذبية، والمرة الأولى التي يكتشف فيها بشكل مباشر وجود الثقوب السوداء وهي تأكيد لنظرية النسبية العامة التي وضعها آينشتاين لأن صفات الثقوب السوداء تتفق تماما مع ما توقعه البرت آينشتاين قبل 100 سنة بالضبط".
فقبل 100 عام، توقع آينشتاين أن تغير شدة الجاذبية في مكان ما بشكل مفاجئ نتيجة تغير طرأ فجأة فهذا سيؤدي لانتشار موجات الجاذبية بطول وعرض الكون بشكل مفاجئ وبسرعة الضوء. ورغم الصغر المتناهي لهذه التمددات والتقلصات، تمكنت التقنيات الحديثة من رصدها وقياسها.
تلك القدرة التي اكتسبها العلماء مؤخرا ستعطينا قدرة على الاستشعار بوجود موجات الجاذبية، وهذا يعني أننا على وشك استكشاف الكون المظلم وهو الجزء الأكبر والأعظم من الكون وهو ما لم يتمكن أحد من رؤيته بالتلسكوبات الضوئية؛ أي بمعنى آخر اكتشاف موجات الجاذبية التي تنبأ بها آينشتاين قم تمكننا من رؤية نشوء الكون في لحظة الانفجار الكبير باتت ممكنة.
نظرية النسبية العامة تعد من الركيزتين الاثنتين للفيزياء الحديثة والأخرى هي نظرية الكم، تخيل أن نصل إلى توفيق بين النظريتين، السؤال مفتوح وبالتأكيد قد يجيب عن أسئلة كونية.
وكان الفلكيون منذ مئات السنين قد استخدموا التلسكوبات الضوئية لدراسة الكون، وشهد هذا المجهود تطورا كبيرا في منتصف القرن العشرين، ببناء أجهزة رصد، وآلات قياس، تتحسس كل الأشكال التي قد يتخذها الضوء، من الطيف الكهرومغناطيسي إلى أشعة غاما والإشعاعات الأخرى.
لكن اكتشاف موجات الجاذبية يمثل الخطوة الأولى في دراسة الكون، ويساعد العلماء دراسة أركان الكون القصوى، بما في ذلك الثقوب السوداء والنواة الداخلية للسوبرنوفا (المُستَعِر الأعظم أو الطارف الأعظم وهو نجم متفجر)، والبنية الداخلية للنجم النيوتروني، وكلها مناطق لا تراها التلسكوبات الكهرومغناطيسية.
ومن الصعب الآن، بحسب العلماء، تطويع موجات الجاذبية في تطبيقات عملية واستغلالها، كما في روايات الخيال العلمي.
لكن دروس التاريخ تبيّن أن الظواهر الجديدة التي يكتشفها العلماء تؤدي إلى تطوير تكنولوجيات جديدة تدخل في حياتنا اليومية.
تعليقات
إرسال تعليق