وبشكل عام، فإن تبرير انعدام المساواة على الصعيد الاقتصادي هو أسهل من تبرير العنصرية وغيرها من أشكال التمييز غير العادل. إن من المبادئ الأساسية للمجتمع الأميركي، أن لكل شخص فرصة متساوية، وهو اعتقاد يبدو أكثر قابلية للتصديق مع تراجع التمييز الاجتماعي. أما في الهند، فإن هذه الخرافة أقل قوة، ولكن هناك شعور عام وحتى عند بعض الفقراء أن الأغنياء يستحقون ثروتهم بسبب جدارتهم وتعليمهم ومهاراتهم.
إن هناك مشكلتين في هذا الكلام؛ أولاهما أن التعليم والمهارات ليست مواهب تولد مع الإنسان؛ فالأغنياء لديهم القدرة على الوصول لمدارس أفضل ورعاية صحية أفضل وتغذية ودعم اجتماعي أكثر من الفقراء، وهذا يلعب دورا حاسما في النجاح الأكاديمي والاجتماعي لاحقا. إن أطفال مرحلة رياض الأطفال في العائلات الغنية يتمتعون بتغذية أفضل ورعاية صحية أفضل وإرشاد أفضل. إن هناك أدلة على أن الكثير من الضرر الذي يلحق بالأطفال الفقراء بسبب سوء التغذية يحصل قبل سن الثالثة وبشكل لا يمكن علاجه.
عندما يبدأ أطفال العائلات الفقيرة بالفشل في المدرسة، فإنه ليست لديهم القدرة على الالتحاق بصفوف خاصة لمعالجة الوضع، بينما يتلقى الأغنياء تدريبا باهظ الثمن من مدرسيهم خلال فترة تعليمهم الخاص، وكنتيجة لذلك، فإن الهند فيها أكبر نسبة من الطلاب الذين يتركون المدرسة.
إن علماء الاجتماع في الولايات المتحدة الأميركية قد قاموا أيضا بتوثيق "تأثير الأحياء" السلبي على الأطفال الفقراء في الأحياء الفقيرة في المدن وفي القرى الهندية، التي تكون فيها الأنماط السكنية مجزأة بشكل أكبر، وبالتالي فإن هذه التأثيرات تكون كبيرة.
إن المشكلة الأخرى في البلدين هي الأهمية المتصاعدة "لمصادر الدخل التي لا تخضع للمنافسة والتي لا تتحصل من خلال العمل"، ففي الهند كغيرها من الاقتصادات التي تنمو بسرعة، فإن القيمة السوقية للموارد العامة القليلة؛ مثل الأراضي والمعادن والنفط والغاز وقطاع الاتصالات، قد ازدادت بشكل كبير؛ حيث نتج عن ذلك تحقيق أولئك الذين لديهم ارتباطات سياسية قوية ودخل عال جدا تم تحقيقه من دون منافسة وعمل.
أما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن تحرير القطاع المالي خلال العقود القليلة الماضية وما صاحب ذلك من صعود في الأوراق المالية المشكوك فيها قد هدد استقرار الاقتصاد الحقيقي ولم يؤد الى تحسين يذكر في الإنتاجية. لقد كانت النتيجة، كما تعلمون جميعا، مكاسب مالية ضخمة لقلة قليلة تلتها خسائر كبيرة تم دفعها من قبل الكثيرين.
إن أمثلة أميركا والهند تظهر أنه في المجتمعات الديمقراطية، فإن المجموعات التي تروج للتمييز الاجتماعي تصبح أضعف سياسيا مع مرور الوقت، ومن ناحية أخرى، فإن انعدام المساواة في الجانب الاقتصادي يستمر من خلال أولئك الذين يتمتعون بالنفوذ السياسي ولوبيات الأغنياء الممولة بشكل جيد. إن هذا التوجه يتعزز من خلال انتخابات أصبحت أكثر تكلفة من الناحية المالية في البلدين، مما يجعل السياسيين يعتمدون بشكل متزايد على مساهمات المتبرعين الأثرياء الذين يطالبون بسياسات تخدم مصالحهم.
إن هذا يوحي أن الحركات المعادية للعنصرية والمناصرة للمساواة تحتاج الى توسيع تركيزها لتشمل الإصلاحات الانتخابية وقوانين أفضل لتنظيم الشؤون المالية وخصخصة شفافة، وفوق ذلك كله إصلاح النظام التعليمي من أجل التحقق من وجود مدارس عالية الجودة للفقراء وتغذية ورعاية صحية لمدارس رياض الأطفال، كما أن وجود استثمار ضخم في البنية التحتية في البلدين سوف يخلق الوظائف لبعض العمال ويحسن إنتاجية الآخرين.
قد يعجبك ايضا
إن الشركات الكبيرة هذه الأيام لديها محطات طاقة وطرق خاصة بها وخدمات ذاتية أيضا، وبينما ينفصل الأغنياء عن البنية التحتية العامة التي يعتمد عليها بقية المجتمع، فقد أصبح من الصعوبة بمكان فرض الضرائب عليهم من أجل الإنفاق على خدمات لا يريدونها أو لا يحتاجونها، وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسات المضادة الموجودة مسبقا (مثل نقابات العمال) التي تعمل لصالح العمال، تتآكل بسبب التقنية والعولمة.
أما في الهند، فإن ازدياد المساواة الاجتماعية يعني أن أعدادا قليلة من المجموعات الاجتماعية الأقل شأنا قد بدأت بالانضمام الى النخبة السياسية والاقتصادية، وعندما ينضم هولاء الى النخبة، فهم يتبنون قيم النخبة بدلا من محاولة تغيير أحوال الفقراء، وفي الوقت نفسه، يقومون بالتلاعب برموز سياسة الهوية، وهو تكتيك ما يزال يجتذب الناخبين. (إن جنوب أفريقيا الديمقراطية هي مثال على كيف أن من الصعوبة بمكان إحداث أي تغيير في الابارتيد الاقتصادي).
لقد استجابت الهند والولايات المتحدة الأميركية للاضطرابات المتعلقة بانعدام المساواة المتصاعد في الجانب الاقتصادي بما يمكن أن يطلق عليه ردة الفعل الشعوبية؛ ففي الهند، فإن هذا يأخذ شكل إسقاط قروض المزارعين المعسرين (مما يضعف البنوك) ووضع ضوابط على أسعار المياه والكهرباء والنقل العام (مما يلحق الضرر بموازنات الحكومات ويقوض إمكانية إيجاد استثمارات طويلة المدى في تلك المجالات) والمزيد من الأغذية المدعومة ضمن نظام التوزيع العام الفاسد وغير الفعال. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الحركات اليمينية الشعوبية تفضل التخفيضات الضريبية على الاستثمار طويل المدى في البنية التحتية، وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي، فإن الفوضويين المعادين للدولة لا يمكنهم المساعدة على بناء مؤسسات سوف تعمل على استدامة استثمارات لصالح الفقراء.
إن أكبر ديمقراطيتين في العالم تواجهان تحديا اقتصاديا كبيرا، يتوجب عليهما أن تجدا طريقة لاستغلال الغضب المتصاعد بسبب عدم المساواة على الصعيد الاقتصادي وتحويله الى استثمارات منتجة تجعل الأغنياء يشعرون أن لديهم مصلحة في تحسين أحوال الفقراء. لو تحركت الهند والولايات المتحدة الأميركية للتغلب على تفشي انعدام المساواة، فإنهما بذلك تعيدان تنشيط ديمقراطياتهما واقتصاداتهما كذلك.
*براناب باردهان
*أستاذ في الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركيلي.
*خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكت.
تعليقات
إرسال تعليق