القائمة الرئيسية

الصفحات

أوراق "داعش" المسربة: كيف يبني "التنظيم" دولته؟


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
شيف مالك - (الغارديان) 7/12/2015
تم الكشف مؤخراً عن وثائق خطط تبين الملامح الجديدة لـ"الدولة الإسلامية"، المكتملة بجهاز للخدمة المدنية، والحكومات الإقليمية، ومستويات سوفياتية من السيطرة الاقتصادية.
*   *   *
يكشف دليل إرشادي داخلي مُسرب لمجموعة "الدولة الإسلامية" كيف عكفت المجموعة الإرهابية على بناء دولة لنفسها في العراق وسورية، والتي تكون مكتملة بالدوائر الحكومية، وبرنامج للخزانة والاقتصاد بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، وترتيب الشؤون العسكرية.
الوثيقة المكونة من 24 صفحة، والتي حصلت عليها "الغارديان"، تشكل مخططاً لتأسيس علاقات خارجية، وعملية دعائية كاملة الأركان، وسيطرة مركزية على النفط والغاز والأجزاء الحيوية الأخرى من الاقتصاد.
ويكشف الكتيب الإرشادي الذي كُتب العام الماضي بعنوان "مبادئ في إدارة الدولة الإسلامية"، عن تطلعات "داعش" إلى بناء الدولة، والطرق التي استطاع بها التنظيم تمييز نفسه باعتباره المجموعة الجهادية الأكثر ثراء وقدرة على نزع الاستقرار في كامل السنوات الخمسين الأخيرة.
إلى جانب وثائق أخرى حصلت عليها "الغارديان"، يبني هذا الكتيب الجديد صورة عن مجموعة تعكف –على الرغم من التزامها بمبدأ تأسيسي من العنف الوحشي- على اهتمام بالمقدار نفسه بالشؤون الدنيوية، مثل الصحة والتعليم والتجارة والاتصالات والوظائف. وباختصار، إنها تبني دولة.
في حين تواصل الطائرات المقاتلة الغربية حربها الجوية على أهداف "داعش" في سورية، فإن المضامين تشير إلى أن المهمة العسكرية ليس واحدة تتعلق بالحسابات في ساحة المعركة ببساطة. لقد أصبح "داعش" أكثر بكثير من مجرد مجموع مقاتليه.
الوثيقة -التي كتبت لتكون نصاً تأسيسياً لتدريب "كوادر المسؤولين" في الشهور التي أعقبت إعلان زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، عن إقامة "خلافة" في العراق وسورية يوم 28 كانون الثاني (يناير) 2014- ترسم الخطوط العريضة لكيفية تنظيم دوائر الحكومة، بما فيها التعليم، والموارد الطبيعية، والصناعة، والعلاقات الخارجية، والعلاقات العامة ومعسكرات الجيش.
الوثيقة التي يعود تاريخها إلى وقت ما بين تموز (يوليو) وتشرين الأول (أكتوبر) 2014، تفصل كيف سيقوم "داعش" ببناء معسكرات تدريب منفصلة للقوات النظامية والمقاتلين المخضرمين. وتقول الوثيقة إن المقاتلين المخضرمين يجب أن يأخذوا دورة إنعاش تنشيطية لمدة أسبوعين في كل عام؛ حيث يتلقون الإرشادات حول "أحدث فنون استخدام السلاح، والتخطيط العسكري والتقنيات العسكرية".
وتقول الوثيقة إنه يجب إعطاؤهم أيضاً "شرحا مفصلا لتكنولوجيات" العدو، و"كيف يمكن أن يستفيد منها جنود الدولة".
يوصي الدليل الإرشادي المختص بفن الإدارة والحكم وصناعة الدولة بإنشاء دائرة خاصة بإدارة معسكرات الجيش، وهو ترتيب معقد، والذي يتجاوز كثيراً -كما وُصِف- قدرات تنظيم القاعدة في أفغانستان خلال الوقت الذي خطط فيه لهجمات 11/9.
وتكشف الوثيقة للمرة الأولى أن "داعش" هدف دائماً إلى تدريب الأطفال على فنون الحرب. وقد عرضت دعاية "داعش" هذا العام بوضوح مجموعات الأطفال الذين يتم تدريبهم، بل وجعلهم يطلقون الرصاص على الأسرى.
لكن النص، الذي ألفه مصري يدعى أبو عبد الله، يتحدث صراحة عن توفر النية للقيام بذلك منذ أواسط إلى أواخر العام 2014. وتقول الوثيقة إن الأطفال سوف يتلقون "التدريب على حمل الأسلحة الخفيفة"، وسوف يتم اختيار "الأفراد المتميزين من بينهم للقيام بمهمات أمنية، بما فيها شغل نقاط التفتيش والمشاركة في الدوريات".
يلقي النص الضوء على حاجة "داعش" إلى تحقيق ثقافة موحدة تشمل الأجانب والمحليين، ويبين الحاجة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق تأسيس التنظيم مجموعته الخاصة المستقلة من "مصانع الإنتاج العسكري والغذائي المحلية"، وخلق "مناطق آمنة معزولة" للوفاء بالاحتياجات المحلية.
جاءت هذه الوثيقة من رجل أعمال يعمل مع "داعش"، عن طريق الأكاديمي والباحث أيمن التميمي، الذي عمل على مدار العام الماضي في جمع أكبر سجل دقيق لوثائق "داعش" المتاحة للجمهور.
ولأسباب تتعلق بالسلامة، لا تستطيع "الغارديان" كشف مزيد من المعلومات عن رجل الأعمال، لكنه سرب نحو 30 وثيقة في المجموع، بما فيها تقرير مالي من واحدة من أكبر محافظات "داعش".
عانى "داعش" من انتكاسات عسكرية في الأسابيع الأخيرة، وأشار بعض العرب السنة في الرقة إلى أن صناعته للدولة والحكم ربما تكون أفضل على الورق مما هي في الممارسة.
لكن التميمي يقول إن الكتيب الإرشادي، إلى جانب أكثر من 300 وثيقة أخرى من وثائق "داعش" التي حصل عليها على مدار العام الماضي، تكشف أن بناء بلد قابل للحياة ومتجذر في اللاهوت الأصولي كان هو الهدف المركزي للمجموعة: "إن (الدولة الإسلامية) هي مشروع يناضل من أجل الحكم. ولا يتعلق فقط بأن غايته النهائية هي الانخراط في معركة لا نهاية لها".
ومن جهته، قال الجنرال المتقاعد ستانلي ماكريستال، الذي قاد وحدات الجيش التي ساعدت في تدمير سلف "داعش"، تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" في الفترة ما بين 2006 و2007 في العراق: "إذا كانت (الوثيقة) أصيلة وحقيقية بالفعل، فإنها رائعة ويجب أن يقرأها الجميع -وخاصة صُناع القرار والسياسة في الغرب".
وأضاف الجنرال ماكريستال: "إذا كان الغرب يرى داعش على أنه يشكل بشكل نمطي تقريباً عصابة من القتلة السكيوباتيين، فإننا نخاطر بالتقليل من شأنه. في (مبادئ في إدارة الدولة الإسلامية)، يمكنك أن ترى تركيزاً على التعليم (التلقين العقائدي حقاً) الذي يبدأ بالأطفال، لكنه يتقدم عبر كامل صفوف ومراتب التنظيم، وسترى فيه إدراكاً لحقيقة أن الحكم الفعال هو أمر أساسي؛ وأفكاراً عن استخدام التنظيم للتكنولوجيا لإتقان الإعلام (الدعاية)؛ ورغبة في التعلم من أخطاء الحركات السابقة".
وقال ماكريستال أيضاً: "إنه (الدليل) عمل لا يختلف كثيراً عن أعمال ماو، وممارسات منّه نام في الهند الصينية، أو حركات أخرى كانت فيها الأعمال رفيعة المستوى حقاً مجرد قمة لجبل جليد أكبر وأكثر دقة بكثير من التنظيم والنشاط".
ومن جهته، قال تشارلي وينتر، الباحث الرفيع في جامعة ولاية جورجيا والذي اطلع على الوثيقة، أنها تجسد قدرة "داعش" العالية على التفكير الاستباقي والتخطيط. وأضاف: "بصرف النظر عن كونه جيشاً من المتشددين غير العقلانيين والمتعطشين للدم، فإن (داعش) هو منظمة سياسية عميقة الحسابات، والتي تكمن خلفها بنية تحتية مخططة جيداً وبالغة التطور والتعقيد".
ويقول اللفتنانت جنرال جريمي لامب، الرئيس السابق للقوات الخاصة البريطانية، إن هذا الكتيب الإرشادي ينطوي على تحذير للاستراتيجية العسكرية الراهنة.
ومشيراً إلى أقسام هذا النص عن صناعة الدولة، والذي يزعم فيه "داعش" باستمرار أنه يشكل الممثل الوحيد الصحيح للمسلمين العرب السنة في المنطقة، قال لامب إن من المهم للغاية ضمان وجود قيادة سنية أكبر في القتال ضد "داعش"، أو المخاطرة بـ"تغذية هذا الوحش" بخلاف ذلك.
وأضاف: "إن النظر إلى داعش والخلافة على أنهما مجرد هدف يجب تحطيمه منهجياً بقوى غير السنة الشرق أوسطيين... إنما يعني الفشل في فهم هذا الصراع. يجب أن تقود (القتال) قيادة عربية سنية وتخوضه قبائلهم الكثيرة في المنطقة، بينما نعمل نحن في الغرب ومن الطوائف الدينية الأخرى في المنطقة على تقديم الدعم".
وخلص إلى القول: "لكن ذلك ليس حالياً هو كيف نشكل حملتنا الحالية المناهضة لداعش، بحيث نعرض أنفسنا بذلك إلى الفشل المحتمل".

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:The Isis papers: leaked documents show how Isis is building its state
Reactions

تعليقات