ذهب الفقهاء إلى أن الحاكم له أن يزوج بدلا عن الولي عند فَقْدِه أو غيابه، حتى قالوا: "الحاكم ولي من لا ولي له"، ومعلوم أن المأذون إنما قد أذن من الحاكم -ولي الأمر أو القاضي- فهو يقوم مقامه، وبذلك لا يقتصر عمل المأذون على التوثيق فقط، بل يمتد في بعض الأحيان إلى بعض أعمال الولاية.
في الفقه الحنفي أن للمرأة الولاية على نفسها وعلى غيرها: ولما كان أصل الاعتماد في الديار المصرية لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبنيا على الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، ولَمَّا كان المقرر في ذلك الفقه أنَّ للمرأة الرشيدة أن تُزَوِّجَ نفسها وأن تُزَوِّجَ غيرها وأن توكل في النكاح؛ لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة كبيعها وباقي تصرفاتها المالية؛ وذلك لأن الله أضاف النكاح والفعل إليهن.
وذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ .. [البقرة : 234]. وفي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ .. [البقرة: 232]. وفي قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ .. [البقرة:230].
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأيم أحق بنفسها من وليها)). وكذلك ما أخرجه البخاري: أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم. وما روي من أن امرأة زوجت بنتها برضاها فجاء الأولياء فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح. وما روي أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير.
فما دامت المرأة في ذلك الفقه لها الولاية على نفسها وعلى غيرها، فيجوز أن يأذن لها القاضي بإنشاء عقد النكاح إذا احتاج إليها كولي، ومن باب أولى أن يأذن لها بتوثيقه؛ لأن التوثيق يرجع إلى العَدَالة والمعرفة، وهُمَا يَتَوَفَّرَان في المرأة العدل العارفة، وهذا من قبيل الحكم الشرعي.
على أنه ينبغي لولي الأمر إذا أراد أن يُصْدِرَ قَانُونًا بذلك الحكم الشرعي أن يُرَاعِي ملائمة ذلك للواقع المعيش بنواحيه المختلفة بحساب المنافع والْمَضَار التي تترتب على ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية
تعليقات
إرسال تعليق