بحسب معظم الباحثين في الفلكلور الغربي فأن احتفالات الهالوين تعود في جذورها إلى مهرجان قديم كانت قبائل السلت الوثنية تحتفي به سنويا في ايرلندا ويطلق عليه أسم مهرجان سامهاين (Samhain )، أي نهاية الصيف بالأيرلندية القديمة، وهو مهرجان كان على جانب عظيم من الأهمية بالنسبة لتلك القبائل، فهو يمثل نهاية فصل الصيف، فصل الخصب والنماء والحصاد، ودخول فصل الشتاء الذي يمثل الجانب المظلم من السنة .. أنه وقت جمع الماشية والخراف من الحقول والمراعي وإعادتها إلى الحظيرة، وقت ذبح الحيوانات الضعيفة وتمليح لحومها، وقت تخزين المحصول وجمع الحطب من أجل الليالي الطويلة الباردة، وقت إغلاق النوافذ وإسدال الستائر اتقاء لريح الشتاء القارصة وما تحمله معها من شرور .. وقت انبعاث الأرواح من رقدتها واستيقاظ الكائنات المرعبة من سباتها وتهيأ الساحرات لليالي السبت الماجنة مع الشيطان .. هكذا كان الناس في تلك الأصقاع النائية المثلجة ينظرون إلى قدوم الشتاء، فطبقا لمعتقداتهم، تكون بوابات العالم الآخر في ليلة السامهاين مفتوحة بالقدر الكافي لدخول أرواح الموتى من البرزخ إلى عالمنا، هذه الأرواح تأتي لزيارة أقاربها وأحبائها، لذا كان السلتيون يفردون مكانا ومقعدا خاليا على المائدة لتلك الأرواح الزائرة.
يوقدون النيران على رؤوس التلال
أبواب العالم الآخر المفتوحة على مصراعيها خلال مهرجان سامهاين كانت لا تأتي بأرواح الموتى الأخيار فقط، بل كانت تقذف أيضا بأرواح الأشرار والعفاريت والشياطين، ولاتقاء شر هذه الكائنات المخيفة كان السلتيون يقيمون احتفالا كبيرا في ليلة الواحد والثلاثين من فبراير، كانوا يوقدون نيرانا عظيمة على رؤوس التلال، ثم يقوم كهنتهم بطقوس تعميد النار. هؤلاء الكهنة كانوا مجموعة من السحرة المرعبين الذين كانوا يعرفون بأسم درويد، كانوا يقدمون الأضاحي لدفع شر الأرواح، ويقال بأن تلك الأضاحي كانت لا تشتمل على الحيوانات فقط، بل على قرابين بشرية أيضا، ثم كانوا يرمون بأشلاء وعظام تلك الأضاحي والقرابين إلى النيران الموقدة، وأخيرا يقوم الناس بالمرور بين تلك النيران مع حيواناتهم ثم ينثرون رمادها في حقولهم، كان يعتقدون بأن ذلك سيدفع عنهم شر الأرواح الشريرة خلال فصل الشتاء الموحش المظلم.
المهرجان كان يستمر لسبعة أيام، ثلاثة أيام قبل ليلة السامهاين وثلاثة أخرى بعدها، وخلال تلك الأيام كان معظم السلتيون يتنكرون ويرتدون الأقنعة بحيث يصعب التعرف عليهم، كانوا يعتقدون بأن روح الميت قد تعود للانتقام من الأشخاص الذين كانت لديها مشاكل معهم حينما كانت على قيد الحياة، لذا كانوا يغيرون هيئتهم وهندامهم لكي لا تتعرف عليهم تلك الأرواح الحاقدة والناقمة. كانوا يخشون انتقامها. ومن هنا أتت فكرة التنكر خلال عيد الهالوين، حيث يقوم الكبار والصغار بارتداء ملابس تنكرية تمثل شخصيات مرعبة ومخيفة لكي لا تتعرف عليهم الأرواح.
فوانيس القرع .. جزء مهم من طقوس الاحتفال
ليلة السامهاين كانت أيضا مناسبة لا تفوت للساحرات والكائنات الشريرة لنشر أذاها ورعبها على الأرض، لذا كان الناس يوقدون النار داخل رؤوس اللفت ويدورن بها حول منازلهم وحقولهم ومزارعهم لحمايتها من عبث تلك الكائنات. فيما تقوم مجموعات من الفتيان والشباب بارتداء الملابس البيضاء ثم يدورون من باب إلى باب لجمع الطعام من السكان، وكلما أعطى أهل البيت طعاما أكثر كلما حصلوا على حماية أكبر من القوى الشريرة.
في ايرلندا واسكتلندا وويلز استمر الاحتفال بعيد سامهاين حتى بعد وصول المسيحية (1)، وقام المهاجرون الايرلنديون والاسكتلنديون بنقل طقوس المهرجان معهم إلى أمريكا وكندا. ثم سرعان ما أصبحت جزءا من فلكلور البلاد، وقد يكون تزامن ليلة السامهاين مع الاحتفال بعيد جميع القديسين المسيحي قد سهل من تقبل السكان لهذه الطقوس، هذا إضافة إلى ما تبعثه في نفوسهم من ترفيه ومرح، فأغلب الناس بالطبع لا يأخذون هذه الطقوس على محمل الجد.
طقوس الهالوين اليوم لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت قبائل السلت تمارسها على الجزر البريطانية، مع بعض الإضافات البسيطة، فبدلا عن اللفت صار الناس يستخدمون القرع لصناعة الفوانيس، لأن القرع أكبر حجما وأطوع من ناحية الحفر والنحت. ولازال الأطفال يتنكرون في أزياء مخيفة ويرتدون الأقنعة ثم يدورون من باب إلى باب من أجل الحصول على الحلويات مرددين عبارتهم الشهيرة : خدعة أم عطية؟ (Trick or treat)، وكأنما الأطفال يهددون صاحب الدار قائلين أما أن تعطينا الحلوى أو تتعرض إلى الأذى وسوء الطالع.
خلاصة القول أن الهالوين هو مهرجان شعبي للاحتفاء بأرواح الموتى، ومثيله موجود لدى معظم الثقافات، فالفراعنة والبابليين والرومان .. الخ .. كلهم كانت لديهم مناسبات للاحتفال بالموتى، و يكاد لا يخلو العام لدى معظم الشعوب من مناسبات وأعياد يقوم الناس خلالها بزيارة قبور أقاربهم وأحبائهم من أجل الاستذكار والصلاة والدعاء. مع فارق أن الناس في الهالوين لا يدخلون المقابر لأن الأرواح تكون في أوج نشاطها في تلك الليلة. وبطبيعة الحال ما كانت هوليوود لتفوت جو الرعب المحيط بهذه المناسبة للترويج لأفلامها السينمائية المرعبة عن الأشباح والبيوت المسكونة.
اياد العطار
تعليقات
إرسال تعليق