المؤلف غاري زوكوف في كتابه The Seat of the Soul، الذي احتفل بأكثر من 25 عاما على إطلاقه وما يزال يتصدر مبيعات الكتب العالمية لما فيه من نصائح مهمة، يتناول التعامل مع الألم الناجم عن المحيط، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات مع الآخرين، وفق ما جاء على موقع "اوبرا".
وزوكوف المدرب العاطفي والمختص الروحي والنفسي، والذي شارك مع اوبرا في برامج مختلفة، فضلا عن كتبه ومقالاته التي تتصدر قراءتها أعداد كبيرة، يبين أنه من الممكن تجنب الألم والدفاع عن أنفسنا بدون اللجوء للعنف والصراخ.
ويقول زوكوف إن الحماية الحقيقية من أي ضرر تتعلق بالفرد نفسه، وإن أي ألم يشعر به ممن حوله هو نتيجة رؤيتهم لأشياء لا يراها بنفسه، ولكن مهما يكن فهو لا يملك القدرة على أن يؤذيك مهما بدا خلاف ذلك. ولكن لديه القدرة على أن يحفز وينشط ديناميكيات داخلية، التي ينتج عنها ذلك الشعور بالألم وطريقة تفاعلك معها، يفعل الأذى أكثر وأكثر إن لم تحكم السيطرة عليها، خصوصا أنها ترتبط بخبرات وتراكمات عاطفية من علاقات سابقة من كل الأنواع؛ أي صداقة أو عائلية وحتى عاطفية.
ويردف "حتى إذا قمت بتغيير الظروف والأشخاص في حياتك، وبخاصة الذين سببوا لك الألم، فإن ذلك الشعور سيتكرر بين ألم خيانة أو ألم هجر أو ألم التعرض للإيذاء أو الحكم عليك".
والقاسم المشترك لأي ألم سابق، كما يقول زوكوف، هو أنت كونك الخيط الذي يربط بين الخبرات السابقة وبين الواقع، خصوصا حين تكون ردات الفعل من جانبك تكمن في النميمة والحكم عليهم وحتى القاء اللوم عليهم، فالتحكم بالألم مرتبط فقط بتغيير الديناميكيات الداخلية.
وهنالك خطوات للخروج من دائرة الألم العاطفي يوردها زوكوف في كتابه وهي كالآتي:
- الخطوة الأولى؛ الخروج من دائرة الألم يكمن في أن تكون واعيا للمرات التي تفكر بها بحبك السابق بعد الافتراق، فهناك أمر ما، يضغط زرا في الذاكرة أو صديق يسألك عن أحوالك، وهذا يعني أنك لاشعوريا تبقى على كل اتصال يربطك بهذا الطرف من أفراد في العائلة وأصدقاء على أمل أن تعيد إحياء العلاقة من جديد.
والشريك السابق هو مرجع خاص بك، فإن كنت تتساءل ما الذي سيظنه إن غيرت في شكلك أو ما الذي يخطط له، فستجد نفسك في مرحلة تعذيب ذاتية، جراء التفكير في كل ما يفعله ويتخيله مع شخص آخر.
وهذا النمط من التفكير، ليس مفيدا لك، ومن الواجب أن يتوقف هذا السلوك، حتى لا تبقى معلقا في تلك الزاوية المظلمة، التي تثير الشفقة وأحيانا الإحراج، فإن كان هناك سحر بينكما، وقدر لكما أن تكونا مع بعضكما، فلن يفرقكما شيء أبدا، ولكن في الوقت الحالي أنت بحاجة لترك الأمر يمضي، ويجب أن تواجه هذه الحقيقة، أنكما منفصلان، ولم تعودا ثنائيا بل كل فرد على حدة.
أما طريقة تخطي ذلك، فتكون بوقف كل سلوك يدفع بك نحو الطرف السابق، فلا مزيد من المكالمات الهاتفية غير المبررة، وعليك تجنب الأماكن التي يتواجد فيها أحدكما دوما، إن أمكن ذلك.
كما أنك تحتاج إلى التوقف عن التفكير، بإعادة اجتماعاتكما معا، وحتى تخيل ذلك قدر المستطاع، وفي كل مرة تفكر بهذا تذكر "أنا حر الآن، وأنت لم تعد بحياتي، فأنت من تخلى عني وهي خسارة لك"، موضحا أنه هذه مجرد عبارات في البداية، لكن العقل يتقبلها مع الوقت، فمع اقتناعك بها ستجد نفسك قادرا على الكف بالتفكير اللامتناهي في ذلك الشخص طوال الوقت، وسيبدأ الكون بدعمك، وتجري الأمور كما تريد، حيث تتوازى الأحداث، وتتحسن عفويتك ونفسيتك، لتسحبك باتجاه مغاير أفضل.
- الخطوة الثانية، التركيز على حياتك، وكما يقال إن ما تبحث عنه في الشخص الآخر هو نفسك، ولذا هنا أعدْ التركيز على حياتك الخاصة، حين تسحبك أفكارك نحو حبك السابق، فهذا هو الشقاء.
فخلال فترة الحزن التي تمر بها، وهو أمر طبيعي بعد التفكك، يجب البدء بفتح صفحة جديدة لرؤية الحياة كما تريد، ولا تنسى أن العلاقات المثالية موجودة، ولم يشأ لك أن تكون برفقة هذا الفرد، وحياتك مهمة مثل حياته، ومهمتك الآن أن تعيد الأزهار والحياة لنفسك، وأن تبحث عمن يكمّلك، بدلا من البكاء على أطلال لن تعود، فتبقى عالقا مكانك، فيما الطرف الآخر يمضي ويتجاوز كل ذلك، فحينها فعلا تكون أنت الطرف الخاسر.
ولذا كن في تفكيرك قويا مهما كانت مشاعر الشوق تحكمك، وفي كل مرة فكرت بها بهذا الحنين للماضي فكر بنفسك وانظر لغد بإيجابية ولو قليلة، فلا ترى غدا مظلما أو وحيدا، بل انظر لنفسك قويا بهالة من الضوء مميزا عن غيرك، فمن لم يرَ مميزاتك الآن سيراها حين تكون مشتعلا بالبهجة والسعادة، فالعيون تعكس الرغبة للحب، وتشد الباحثين عنها، لذا أعد تكريس ذاتك لأجلك، لا لأجل بكاء على من رحل، وهذا ليس بالأمر السهل، ولكن يمكن فعله إن أردت فعلا أن تعيش بكرامة، فالذكريات ستبقى، ولكن الأشخاص يرحلون، ولا تريد العيش سجين ذكريات تاركا العمر يمضي.
- الخطوة الثالثة؛ أذب الألم، فكل الخطوات السابقة تساعدك في التعامل مع الألم العاطفي، للتخلص من هذه المشاعر، وأي جروح أخرى في حياتنا، تتصعد برفقة هذا الحدث الذي بني على عاطفة كبرى، والتي يحكمها ما يعرف بـ"هيئة الألم"، التي تنشط التفكير بعد التفكك، ولكن الوقت حان لحل هذه الهيئة، والابتعاد عن الشعور بالخسارة الفاجعة، عبر السماح لنفسك بالشعور بالألم كله وإطلاقه، لا تخزينه بالداخل، بحيث يتأجج من أقل مؤشر وتوتر، فالدموع طريق نحو الشفاء، لذا ابكِ وعانق نفسك، واسمح لنفسك بالدخول لحمام ساخن، واترك مساحة لروحك لتهيم، واحضن نفسك بعزلة قليلة، ولا تقاتل الألم داخل قلبك، واسمح له بالظهور ووافق عليه، فهو جزء من استكمال العلاج الروحي لذاتك.
ومن ثم باشر بالتخلص من مخزون الألم الداخلي، وعلم نفسك عدم الشعور بأي ألم جديد بتغيير المنظور الخاص بك من الداخل، واعلم أن لا أحد يريد إيذاءك.
كما أن إنهاء مصدر الألم المغذي الداخلي، الذي يعرف بـ"ملكة الدراما"، يحتاج إلى خبرة في الألم وفي الحياة والعلاقات، وتلك تختلف من فرد لآخر، فالبعض يفضل الشعور كضحية، ويعيش الدور، ويصوغ سيناريوهات عليه، لذا في المرة المقبلة التي تشعر فيها بألم، توقف عن الشعور كضحية، وأخبر نفسك أنك لن تفكر به مرة أخرى، ولاحظ أنك أنت من يغذي مشاعره، فإما أن تكون من يطلقها فورا، أو يؤججها بألم لن ينتهي.
والتصرف البسيط هو عدم اليأس بشكل كبير، وحاول تذكر كل الأمور الأخرى الجيدة في حياتك، خارج نطاق دائرة ذلك الطرف، لتدفع نفسك نحو سعادة جديدة وسلام داخلي.
واعلم دوما أن القلب المكسور والألم المرافق له قد يكون الدافع لك لعالم مليء بالسحر والشفاء رغم اعتقادك أنها نهاية الكون للوهلة الأولى، ولكن في الحقيقة ما من قلب مكسور، بل إن كل قلب قادر على الشفاء، وتعلم الحب من جديد بطريقة أفضل وأكثر حنكة، وتلك هي تجارب الحياة التي تجعلنا ناضجين وحكماء ومميزين.
تعليقات
إرسال تعليق