الإحراج والارتباك يصيبان الكثيرين، في كل مرة يتعرضون فيها لموقف يستدعي منه التحدث بالإنجليزية، يقول احدهم: "بالرغم من أني كنت شخصا متفوقا في مدرستي في اللغة الإنجليزية بقواعدها فقد صرت اليوم لا أستطيع التحدث بها، وأخشى دائما أن أخطئ فيها، وخاصة أمام الناس الذين يتقنونها". وفي حال وجوده مع أشخاص لا يتقنون اللغة الإنجليزية يستطيع أن يتحدث بها بطلاقة، ودون أي خوف أو حرج، ليقينه أنه ما من أحد سيكشتف خطأ إنْ هو أخطأ.
الاختصاصي الاجتماعي، د.حسين الخزاعي، يرى أن السبب الرئيسي للخوف من الحديث امام الآخرين بالإنجليزية، هو "غياب" حب هذه اللغة، بالإضافة إلى أن "الاكتفاء بسماع الإنجليزية مع عدم القراءة بها، والتحدث بها، من أسباب تعثر هذه اللغة وضعفها".
كما ينوه الخزاعي الى أن من الأسباب أيضا، ما يجده الطلاب من "صعوبة" في تعلمها في المدارس، و"عدم تشجيع الأهل لأبنائهم على ممارسة هذه اللغة، لعدم اتقانهم أنفسهم لها"، إضافة الى جانب شعور الطلاب بأن مصيرهم مرتبط باللغة الإنجليزية، وبأنه متوقف على إتقانهم لها، وهو ما يقلقهم، لاسيما في مجتمع لا يستخدم فيه هذه اللغة إلا فئة معينة.
هبة عبدالله فتاة تربّت في بيت يعاني كله من هذه العقدة، والسبب في ذلك والداها اللذان كانا يخافان عليها من امتحانات اللغة الإنجليزية وهو الخوف الذي انتقل إليها، وما لبث يستبد بها إلى أن تحول إلى عقدة شائكة في نفسها، لاسيما عند قدوم أي امتحان في الإنجليزية.
هذا الخوف جعلها لا إرادياً تتوتر وتهاب الإنجليزية، وبعد تخرجها في الجامعة وجدت أنها لا تستطيع أن تتقدم لطلب أي وظيفة لعدم إتقانها لهذه اللغة، فقررت أن تحسّن لغتها الإنجليزية بمحاولة التحدث مع أي شخص، حتى لو أخطأت، لأن المهم عندها هو إيصال الفكرة. وهكذا استطاعت، شيئا فشيئا، أن تتقنها، ولم تعد تعاني من "رهاب" اللغة الذي كان يلازمها.
مشرفة اللغة الإنجليزية، منى الخريشا، تقول إن السبب الأول والرئيسي في الخوف من اللغة الإنجليزية هو الشعور بعدم القدرة على التحدث بها بثقة، خصوصاً في مرحلة المراهقة، ولذلك يشعر الطالب بتوتر شديد في يوم امتحان اللغة الإنجليزية، وهو التوتر الذي يشتد في نفسه ويعظم، بسبب ما يشعر به الأهل في يوم الامتحان، من خوفِ على أطفالهم، من هذه اللغة، فتنعكس حالتهم النفسية على هؤلاء الأطفال.
في هذا الشأن كان وزير التربية والتعليم، الدكتور محمد الذنيبات، صرح مؤخرا بأن نحو 100 ألف طالب على مقاعد الدراسة في الصفول الثلاثة الاولى، ويشكلون 22 % من إجمالي الطلبة، لا يستطيعون قراءة الحروف العربية، أو الإنجليزية، وناشد بضرورة الوقوف على مسببات المشكلة، ومحاولة البحث عن حلول.
معلمو اللغة الإنجليزية أنفسهم "لا يتقنون هذه اللغة"، وفق الخريشا التي تقول صحيح انهم تعلّموها ونجحوا في امتحاناتها، لكنهم لا يمارسونها تحدثا وكتابة إلا قليلا، فالطالب إذن في حاجة لممارسة هذه اللغة باستمرار، ولا يكفي أن يكون مطلعا على قواعدها ومفرداتها.
خوف الطالب من أن يخطئ التحدث أمام الآخرين بالإنجليزية، وعدم ثقته بنفسه هو السبب وراء "عقدة اللغة الإنجليزية" التي يعاني منها كثيرون، إذ أضحى هذا الخوف مع الأيام "رهابا" لدى كثيرين.
وفي ذلك يرى اختصاصي الطب النفسي، د.محمد حباشنة، أن هذا الرهاب الذي يتشكل لدى الناس، بسبب اللغة الإنجليزية، سببه عدة عوامل متداخلة، منها عدم الثقة بالنفس، بالإضافة إلى أن الاعتقاد بأن إتقان اللغة شرط أساسي عند التحدث بها هو اعتقاد خاطئ، لأنه ليس كل من يتحدث لغة من اللغات مُتقن لها بالضرورة.
فلا شك أن دخول الشخص في رهاب اللغة مرهقٌ لصاحبه، ولا معنى له، لأن هذا الرهاب يجعل من هو قادرٌ على التحدث بها، ولو مع وجود أخطاء، عاجزا في النهاية عن التحدث بها، لفرط ما يشعر به الشخص من فقدان للثقة بنفسه لعدم إتقانه للغة. ليس شرطا أن يكون الشخص متقنَا لهذه اللغة حتى يمكنه التحدث بها. فالرهاب مُعيق وكابح، وهو في النهاية السبب وراء تقهقر اللغة، وتراجعها.
ويرى حباشنة أن هناك من يربط هذه العقدة بإيمانه أن العرب أدنى ثقافة وحضارة من الغربيين، ولذلك فهو عندما يتحدث بلغتهم يصاب بهذا الرهاب، ومن هنا تأتي حالة عدم قدرته على التواصل بهذه اللغة مع الآخرين.
ويشير حباشنة إلى أن "معرفتك باللغة الإنجليزية بنسبة 50 % كافية، فأنت أكثر تفوقا على الأميركي، وعلى غيره الذين لا يتقنون اللغة العربية".
تعليقات
إرسال تعليق