القائمة الرئيسية

الصفحات

اكتشاف الجزء المسئول عن العنف فى مخ مرتكبى جرائم القتل والاغتصاب


اكتشاف الجزء المسئول عن العنف فى مخ مرتكبى جرائم القتل والاغتصاب.. النفسيون: الاكتشاف يمكن أن يقود لأدوية.. وأطباء الاجتماع: ما أعلنه العالم الألمانى يؤكد اختلاف الصفات الجسمانية للمجرم عن العادى


فى أحد الأبحاث التى أجراها العالم الألمانى "جيرهارد روث" العالم بعلم الأعصاب توصل إلى تحديد جزء من المخ مسئول عن الجانب المظلم فى حياة المجرمين والقتلة، حيث كشف المسح بالأشعة الضوئية الذى أجرى على المخ عن وجود مجموعة من الأعصاب فى الجزء الأمامى من المخ عند الأشخاص الذين يمتلكون سجلات من العنف الإجرامى. 

وادعى العالم عثوره على المنطقة المسئولة عن وجود الشر عند المغتصبين والقتلة واللصوص، وقام بتصنيفها إلى ثلاث مجموعات، مؤكدا أن المجموعة العصبية المسئولة عن الشر تكمن فى الفص المركزى للدماغ وتظهر ككتلة داكنة على أشعة إكس، حيث قام بإجراء عدة أبحاث على المجرمين والذى أكد أن مخ هؤلاء يختلف عن الأسوياء من البشر.

فهل يمكن التخلص من الجريمة بعلاج هذه المنطقة الموجودة بالمخ؟ وهل يمكن اكتشاف أدوية جديدة تعمل على هذه المنطقة لدى هؤلاء؟ وما هو رأى الأطباء المتخصصين فى هذا الاكتشاف الهام؟ وهل هناك أجزاء فى المخ مسئولة بالفعل عن الجرائم التى يقوم بها الشخص؟ أم أن البيئة والوراثة لها دور فى انتشار الجريمة؟ 

يقول الدكتور محمد عادل الحديدى أستاذ الطب النفسى بطب المنصورة، العنف والاندفاع والعصبية والهياج له أسباب متعددة، منها الأسباب البيلوجية، ومنها الأسباب الاجتماعية والثقافية، حيث يزيد العنف فى المجمعات المتكدسة بالسكان، وعندما يكون المستوى الثقافى والاجتماعى منخفضا، كما أن العنف يولد عنفا، فالتواجد فى بلد يتصف بالعنف يؤدى إلى زيادة العنف، ويلعب التعليم دورا كبيرا فى زيادة العنف، ويكون إما بطريقة مباشرة بمشاهدة أشخاص يمارسون العنف أو التشجيع على استخدام العنف لتحقيق أى أغراض، أو يكون بطريقة غير مباشرة بمشاهدة الأفلام أو ألعاب الكمبيوتر العنيفة، أو مشاهدة أشكال الدماء فى البرامج التليفزيونية أو الأخبار.

أما الأسباب البيلوجية، فهناك عدة عوامل منها التركيب الكروموزومى والكرموزوم Y" "المميز للرجال يلعب دورا فى زيادة العنف فى الذكور عن الإناث، كما يلعب الهرمون الذكرى التستستيرون، حيث يزيد من العنف، بينما نقص الموصل العصبى السيروتونين بالمخ يؤدى إلى زيادة العنف بمختلف أشكاله، بما فيها الانتحار، ويكون العنف للغير أو تجاه النفس، وقد أثبتت الأبحاث بالأشعة على المخ وجود حويصلة أو"اللوزة" بالمخ تسمى "الاميجدالا"، وهذه اللوزة المسئولة عن التحكم فى الأعصاب والعنف والاندفاع والجنس، وبالتالى الخلل الوظيفى فى هذه اللوزة يؤدى إلى زيادة العنف، وإذا كان الشخص متعلما وعلى قدر من الثقافة تؤهله إلى استخدام العقل فى حل المشاكل بدلا من العنف فهو قادر على السيطرة على نشاط هذه اللوزة، وبالتالى عدم الانجراف وراء العنف فى مواجهة الأزمات. 

ويؤكد الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية أنه فى الخارج يتم تشخيص الأمراض النفسية عن طريق بعض التغيرات التى تحدث فى الخلايا المخية بظهور بعض الأجزاء الرمادية فى المخ بصورة زائدة فى الشخصيات الإجرامية، وفى مرضى الفصام فى أشعة الرنين "نوع معين من الرنين"، يتم تشخيص حالات الفصام والاكتئاب والاضطرابات الشديدة فى الشخصية "الشخصيات الإجرامية"، وتظهر على شكل نقط متناثرة فى أمراض الاكتئاب، ويشير إلى أن هذه الأبحاث جديدة، ولكن تكلفتها عالية جدا منعدمة فى مصر ولكنها موجودة فى فرنسا وأمريكا.

وقال، إن مخ المجرمين فى منطقة "الهيبو فلامس" تظهر فيها تغيرات فى أشعة الرنين المغناطيسى فى المجرمين عن الأسوياء، وأيضا تحدث تغيرات فى منطقة الموصلات العصبية، حيث نجد عدم اكتمال هذه الموصلات لدى المجرمين تلك الموصلات هى المسئولة عن الرحمة والعطف والرأفة، فهى منعدمة لدى المجرمين عن الأسوياء، ويتم التعرف بالرنين المغناطيسى من الجيل الرابع.

وهذا ما يعطى أمل لاكتشاف بعض الأدوية والتى تساعد على السيطرة على الشخصيات السيكوباتيه وتغييرها، مع العلم أن الشخصية لا تتغير وأى استعمال لأى أدوية يساعد على تعديل الشخصية وليس تغييرها، وأن اكتشاف هذه الأماكن فى المخ والتعرف عليها واكتشافها من خلال الأشعة سيحدث ثورة فى الطب النفسى، وهذا يؤكد أن الأمراض النفسية ما هى إلا أمراض عضوية يجب علاجها.

أما الدكتور أحمد جمال أبو العزايم أستاذ الطب النفسى والرئيس السابق للاتحاد العالمى للصحة النفسية، فيقول إن هناك منطقة فى المخ تسمى "الليمبك سيستم"، فمن المعروف أن الفص الأمامى من المخ هو الذى يتحكم فى السلوك الاجتماعى وحجم المعلومات التى تضخ فى الفص الأمامى، ومنها التعلم والمتعة وعلاقته بمنطقة منتصف المخ تسمى المنطقة الوسطى من المخ يحدد سلوكيات الإنسان واندفاعاته واستمتاعه بالعنف من عدمه، فنضوج الفص الأمامى من المخ مع الأساليب التربوية السليمة وتعلم المهارات التربوية وحل الصراعات بالأسلوب التربوى مع وجود فص أمامى سليم فى المخ هو الذى يعطى هدوءا فى شخصية الإنسان، وقدرته على استعمال الإقناع والحوار بدلا من العنف.

كل واحد منا ينمى "الليمبك سيستم" ويبرمج ما يتعلمه الإنسان فى حياته الأولى إذا برمج مخه على الاستمتاع بالشر، فيتأكد لديه الأسلوب المندفع وأسلوب العنف.
ويقول إن اكتشاف هذا الجزء فى المخ نقطة هامة حتى يمكن تطوير أدوية تساعد على تطوير أدوية تقلل من حجم اندفاع الإنسان، من خلال تأثير العقاقير على هذا المركز، لأن العمل البحثى يبدأ عندما نجد دلالات يمكن القياس عليها بظهور دواء جديد يقوم على علاجه، ولكن هذا لا يمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة، فذاكرة الإنسان تمتلئ بخبرات العنف والاستمتاع بالعنف، فنحتاج تركيبا دوائيا بجانب تعديل سلوكيات الإنسان فى المستقبل. وهذا ما سوف يفيد فى تطوير أدوية تفيد فى علاج الإدمان، لأن الإدمان يرتبط بالاندفاع القهرى للتعاطى من أجل المتعة رغم تدهور حالة المدمن.

القرصنة العصبية.. والانفجار الذى يقود للجريمة

بينما يفسر الدكتور عبد الهادى مصباح أستاذ المناعة زميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة ومؤلف عدة كتب عن المخ البشرى ما يحدث فى المجتمع المصرى من ظهور جرائم كانت مختلفة عنا تماما، فيقول أصبحنا نسمع عن أم تقتل أبناءها لأنهم طلبوا أن يخرجوا معها للنزهة، وابن يقتل أباه بطلق نارى وأب يضرب ابنه حتى الموت أو طعنا بالسكين، ونتساءل بدهشة: ما الذى حدث؟ وما الذى يجعل الإنسان يصبح قاتلا فى أقل من ثانية، وما الذى أدى إلى هذا الانفجار؟

يطلق خبراء الطب النفسى والأعصاب على مثل هذه الانفجارات الانفعالية: "القرصنة العصبية"، وترجح الأدلة أنه أثناء هذه اللحظات يقوم مركز معين فى المخ الحافى (الوجدانى) Limbic system بتولى قيادة حالات الطوارئ تلك، ويجند باقى أجزاء المخ لتنفيذ جدول أعماله، وتحدث القرصنة فى لمح البصر، فتنطلق الاستجابة فى اللحظات الحرجة لكى تسبق قدرة القشرة المخية "أى المخ المفكر العاقل" على استيعاب ما يحدث، أو الحكم على مدى ملاءمته.

والعلاقة المميزة لهذه القرصنة أن من يمرون بها لا يعرفون بعد انقضاء اللحظة ما الذى حدث لهم، فقد فعلوا ما فعلوا وهم غير مدركين لعواقبها، أو حتى فكروا فيها، وهذه القرصنة ليست دائما لحظات منعزلة من الحوادث المرعبة التى تؤدى إلى جرائم ربما تكون وحشية، فهى كثيراً ما تحدث لنا بصور أقل كارثية كل هذه الأحداث تندرج تحت اسم "القرصنة الانفعالية"، أو الاقتحام العصبى الذى ينشأ من لوزة المخ "أميجدالا".

وتتألف لوزة الدماغ (أميجدالا) من مجموعة خلايا عصبية فى الدماغ على شكل لوزة، وهى متصلة دائما بقرن آمون "هيبوكامباس"، وتمثل الاستجابات العاطفية والانفعالية للذكريات. وتختص اللوزة بالمسائل الانفعالية، فإذا فصلنا اللوزة عن باقى أجزاء المخ، يحدث عجز كبير فى التعرف على الدلالات الانفعالية للأحداث، وتسمى هذه الحالة أحيانا بالعمى الوجدانى، وبدون الدلالات الانفعالية لا يكون للموقف أى تأثير على الشخص، فالحياة بدون لوزة مخية هى حياة مجردة من أى معانى شخصية أوأى ردود أفعال حسنة أو سيئة، والأهواء والمشاعر كلها تعتمد على اللوزة، والحيوانات التى يتم إزالة هذه اللوزة منها أو تعطل عن العمل، تفقد الشعور بالخوف والغضب، وتفقد كذلك الدافع للمنافسة أو التعاون فيما بينها، ولا تهتم بتأكيد مرتبتها من النظام الاجتماعى لجنسها، وتصبح انفعالاتها سطحية أو ربما تختفى كلية.

ولقد أوضح العالم النفسى "لودوكس" فى أحد أهم الاكتشافات العلمية الهامة أخيراً، أن تكوين المخ يسمح للوزة بوضع مميز كحارس للانفعالات تستطيع من خلاله القرصنة على المخ، وأن الإشارات الحسية من العين والأذن وغيرهما من الحواس تتجه أولاً إلى المهاد، ثم تتجه ـ من خلال وصلة مفردة ـ إلى اللوزة، والإشارة الثانية تذهب من المهاد إلى القشرة المخية ـ أى المخ المفكر العاقل، وهذه التفريعة (من المهاد إلى اللوزة) تسمح للوزة – فى حالة القرصنة الانفعالية - أن تستجيب للحدث قبل القشرة المخية العاقلة التى تتأمل المعلومات على مستويات متعددة من الدوائر المخية، حتى تستطيع أن تدرك الأمر تماما وتتبينه، وبعدها تبدأ فى الاستجابة التى تتلاءم بدقة مع الموقف وحساباته المنطقية، فالذين يقفزون من النافذة أثناء الزلزال لا يفكرون أو يتخذون قرارهم من خلال القشرة المخية، وإنما تصرفوا من خلال لوزة المخ التى شعرت بالخطر فجعلت الإنسان يتصرف بمنطق الهروب من الموت.

أطباء علم الاجتماع لهم آراء أخرى منها ما يؤيد ومنها ما يعارض: 

دكتور على ليلة أستاذ علم الاجتماع بطب عين شمس، يقول البعد البيولوجى أشارت إليه نظريات كثيرة مثل العالم سيزارى لمبروزو، وهو عالم إيطالى متخصص فى الجريمة، وقال إن المجرم له تكوينات خلقية معينة وحدد مجموعة من الصفات لجسمه مختلفة عن الشخص العادى، بحيث يكون غير متناسق الفك الأسفل يكون عريضا والجبهة ضيقة والرأس ضخمة كل هذه الأشياء مؤشرات لارتكاب سلوك إجرامى، وقام بعمل دراسة على المجرمين ثم ظهرت نظرية البيئة الاجتماعية وأن المجرم ابن بيئته إذا نشأ فى بيئة مجرمة يصبح مجرما، ولكن السلوك الاجتماعى فى النظريات الحديثة أثبتت أن السلوك الاجتماعى له أصول جينية جينات من السلوك السوى أو غير السوى هم ربطوها بالجينات، وهو ربطها بالمخ وأن الشخص لديه الاستعداد الوراثى لارتكاب الجريمة وهى مازالت نظريات ومستندة إلى حقائق علمية. 

وتؤكد الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قائلة، لا نجزم كاجتماعيين بشكل نهائى فى رأى العالم الألمانى، ولكن منذ سنوات العالم "لمبروزو" كان يقول مثل هذا الكلام بأن المجرم له صفات جسمانية تختلف عن الإنسان العادى، ولكن بعد ذلك معظم النظريات رفضت هذا القول، وجاءت نظرية أخرى تقول إن المجرم يمكن أن يكون لديه بعض الغدد تفرز مادة فى المخ تساعده على ارتكاب فعل الإجرام، وهذه الإفرازات أكثر من الإنسان العادى، ولكن كل هذه الأقاويل لا تكون هى النتيجة النهائية للإجرام لأنه إذا ما كانت الظروف والخبرات الشخصية والأوضاع الاقتصادية والظروف الأسرية والتربية الدينية لا تساعد على انغماسه فى الإجرام، فلن يكون مجرما بمعنى آخر أن الاستعداد للإجرام قد يزيد عند شخص أكثر من آخر، ولكن العامل النهائى فى دفعه إلى الإجرام هى الظروف والأوضاع الشخصية والمجتمعية، هذا آخر ما توصل إليه الجانب العلمى والوراثى، فالاستعداد العضوى للإجرام يختلف من شخص لآخر، ولكن السبب فى الإجرام لا يعود إلى الجانب العضوى فى الأساس، ولكن الأوضاع والظروف تكون أقوى للفعل الإجرامى أكثر من الجانب العضوى، بالإضافة إلى أنه قد لا يكون الشخص لديه استعداد عضوى، ولكن ظروفه قد تدفعه إلى ارتكاب الجريمه، فإلى حد كبير الجانب العضوى فيه جزء وراثى، ولكن الظروف أقوى من الجانب العضوى والتى تساعده على ارتكاب الجريمة.
Reactions

تعليقات