كم مرة خرجت فيها من منزل قريب أو صديق شاعرا بالذنب بأنك تناولت رغما عنك مأكولات ومشروبات غير صحيّة قدمها لك صاحب المنزل؟
إن كرم الضيافة هي من أبرز صفات المجتمع العربي المتأصلة فيه منذ الجاهلية، حيث كانوا العرب يتباهون بالكرم والجود والسّخاء. قال حاتم الطائي :
اني لعبد الضيف مادام ثاوياً ......وما فيّ الا تلك من شيمة العبد
ويؤمن العرب إلى يومنا هذا باحترام الضيف ووجوب تكريمه بالطعام والشراب، ومن الأمثال المعروفة "اكرام الضيف واجب". ومن جانب آخر، فإن قواعد اتيكيت الزيارات في المجتمعات العربية تحثّ الزائر على قبول الطعام والشراب الذي يقدّم له أثناء الزيارة، حتى وإن كان لا يرغب به، تفاديا لجرح لمشاعر صاحب المنزل. وعلى الرغم من أن الواقع الصحيّ للمجتمعات العربية يكشف عن معطيات مؤلمة بسبب تفشي الأمراض المزمنة مثل السمنة، السكري، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والشرايين، الا أن الكثير من الأطعمة والمشروبات التي تقدّم للضيوف من مشروبات غازية وعصائر ونقرشات مصنّعة وحلويات تحمل أضرارا صحيّة كبيرة ولا تتماشى مع رغبات الأشخاص الذين يهتمون بوضعهم الصحي. ويشار إنني كنت قد عرضت في مقالة سابقة أمثلة عديدة لمأكولات ومشروبات صحيّة يمكن تقديمها للضيوف بارتياح، مثل التبولة، الفواكه الطازجة والمجففة، المكسرات، القضامة، البشار، الترمس، الفول المشوي أو المسلوق، الحلويات البيتية القليلة الدسم، شوكولاتة تحتوي على 70% كاكاو، الليمونادة البيتية، الشاي، القهوة، والزهورات.
وبينما يترك بعض المضيفين الزائر على راحته برفض أو قبول الطعام والشراب الذي يقدّم له، يمارس معظهم أسلوب الإلحاح في إطعام الضيف كوسيلة للترحيب الحار والاستقبال الحميم، فيلجؤون إلى أشكال مختلفة من أساليب الإقناع، مثل:
- صنعت هذه الحلويات خصيصا من أجلك
- لا تهتم الآن بالحمية الغذائية، يمكنك أن تعود لها غدا
- لن أقبل أن تكسفني
- لن تؤثر هذه الكمية القليلة على وضعك الصحي
- سأزعل إذا لم تتذوق ما قدمته لك
- يبدو أن طعامي لا يعجبك؟؟؟
- أنت لا تأتي لزيارتي كل يوم، لهذا لا تحاسب نفسك على ما تأكله عندي
فإذا كنت تهتم بنوعية الأغذية التي تتناولها بسبب وضع صحي أو كمبدأ، إلى أي مدى تشعر أنك تعرف كيف تتعامل مع مضيف ملحاح؟ أقدم فيما يلي بعض النصائح للتعامل بلباقة مع مضيف ملحاح:
• احسم الموضوع أولا بينك وبين نفسك
من الصعب التأثير على شخص اتخذ في قرارة نفسه قرارا بأن يتحمل مسؤولية وضعه الصحي وعاداته الغذائية وأن يكون هو صاحب القرار في نوعية الأغذية التي يستهلكها. يؤكد العالم الإيراني البرت مهارابيان من جامعة هارفارد أن الشخص عندما يتكلم فإن تأثير كلماته الفعلية على المستمع لا تتجاوز 7%، بينما تؤثر نبرات صوته 38%، ويصل تأثير تعبيرات الجسم الأخرى من عيون ووجه وأيدي وجسم 55%! ولهذا فعندما ترفض تناول طعام لا يتماشي مع عاداتك الغذائية أو وضعك الصحي، فإن لغة جسمك ونبرة صوتك التي تعكس جديّتك في الرفض لها درجة تأثير أكبر على صاحب المنزل من كلماتك الفعلية.
• ابتسم وعبّر عن تقديرك وامتنانك لكرم ضيافة صاحب المنزل
من المهم أن تحافظ على مشاعر المضيف الذي حتما لا يقصد أن يتسبب لك بأي ازعاج أو ضرر صحي عن طريق الطعام والشراب الذي يقدمه لك. اشكره على كرمه وبيّن له بوضوح مدى تقديرك لذلك.
• امتنع عن الدخول في نقاشات حول وضعك الصحي أو الأضرار الصحية للأغذية التي يقدمها لك المضيف
في كثير من الأحيان يتسبب مشاركة المضيف بالأسباب الحقيقية لرفضك الطعام أو الشراب بالدخول في نقاشات طويلة لا تنتهي الا عندما تخضع لرغبة المضيف وتتناول ما يقدّمه لك. "عندي سكري"، أو "بدأت بحمية لتخفيض الوزن" هي في نظر المضيف أسباب ضعيفة أمام رغبته بتكريمك في منزله على أكمل وجه. ليس من الضروري مشاركة تفاصيل حياتك الشخصية ووضعك الصحي أو تفسير اختياراتك الغذائية الا إذا شعرت أن المضيف على درجة عالية من الثقافة الصحية التي تمكّنه من تفهّم موقفك.
• ارفض الطعام بلباقة
لأن الرفض الصريح والمباشر قد يعكر صفوة جو الزيارة، ينصح باللجوء إلى أساليب متطورة في الرفض، مثل
• خذها معك وتخلّص منها فيما بعد: "انها فعلا تبدو لذيذة لكن معدتي ممتلئة الآن، سآخذها معي وأتناولها لاحقا"
• التأجيل: "حاليا لا استطيع تناول أي شيء لكن ربما بعد قليل"
• تناول رشفة أو لقمة ثم ضع الشراب أو الطعام جانبا
• اطلب بدائل صحيّة مثل مشروبات ساخنة بدون سكر
تعليقات
إرسال تعليق