* ما هو التفاؤل ؟
التفاؤل ميلٌ أو استعداد نفسي للنظر بإيجابية وأمل إلى الحاضر والمستقبل ، وهو موقف تجاه الحياة ، أو حيال الحقائق والوقائع ، يميل إلى التركيز على الجوانب المُشرقــــــة ، وتوقع الأفضل ، والإيمان بإمكانية التغيير ، والثقة بأن الإنسان سيد مصيره إلى حد بعيد ، وإنه يمكنه بإرادته السيطرة على كثير من شؤونه ، وشؤون البيئة المحيطة به 0
* أي عمل أو مشروع يحتاج الى أمل بتحقُقِ نتيجته الإيجابية :
إنَّ أي مشروع أو عمل أو خطوة يقوم بها الإنسان على أي صعيد تحكُمُهُ عوامل موضوعية وأخرى ذاتية ، ويمتزج فيه الذاتي بالموضوعي امتزاجاً يصعب وربما يتعذر أحياناً فصله أو اكتشافه أو الوقوف عليه بدقة ، وقد يكون من أهم أهداف البحث العلمي والتجربة في شتى العلوم ، التَّمكُن من الحكم على الأمور من خلال العوامل الموضوعية ، وهذا أيضاً هدف مهم من أهداف التخطيط ودراسات الجدوى في مجال المال والأعمال والإدارة 0 لكن كل ذلك لا يقلل من أهمية العوامل الذاتية في تحقيق النجاح في أي منحى من مناحي الحياة ، لأن أيَّ عمل أو مشروع أو إبداع يحتاج إلى أمل في أن النتيجة سوف تتحقق ، ويحتاج إلـى حدود دنيا من المبادرة والإيجابية والحماس ، وإلى جوانب معنوية متعددة أخرى 0 ولاسيما أن الإنسان يبدأ بتكوين اتجاه وموقف حيال الأشياء والأحياء والوقائع بعواطفه وضمن ما يحبُّ وما يكرهُ ، ثم يشرعُ بحشد الأسباب والمبررات العقلانية التي تدعم موقفه الوجداني منطقياً .
* لو لم يكن المبدعون والمصلحون متفائلين لما أنجزوا شيئاً :
إن مما يدعم ويقوي فكرة أهمية التفاؤل وجدواه ، معرفتنا أن المتميِّزين ممن أفادوا البشرية عبر تاريخها الطويل ، وكانوا سبباً في تطويرها وتقدمها وتحسين جودة ومستوى معيشتها ، سواء أكانوا قادة أم مصلحين أم مخترعين ، هم من المتفائلين الذين اعتقدوا بإمكانية التغيير للأحسن ، وآمنوا بالقدرة على التحكّم بالبيئة الاجتماعية والطبيعية ، فلو كان هؤلاء متشائمين يعتقدون بأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان ، أو يؤمنون باستحالة التغيير وتعذّر التطوير ، إذن لما غيروا ولا قادوا إلى التقدم ، ولا حققوا نتيجة ، ولا حوّلوا العلم إلى تكنولوجيا ، فهم فيما حققــــــوه بذلوا وحاولوا وفشلوا ، لكن أملهم ، وإيمانهم بإرادتهم وإرادة من حولهم ، والقناعـة بإمكانية الوصول للأفضل دائماً ، حقق لهم الإنجازات ، ودفعهم لبلوغ أهدافهم ، أي أن التفاؤل كان مـــــن أهم عوامل نجاحهم .
* التفاؤل بوجه عام أقرب الى الحقيقة من التشاؤم :
نعم ، التفاؤل بوجه عام أقرب إلى الحقيقة من التشاؤم ، لأن الحياة البشرية تسير باستمرار نحو الأفضل (بغض النظر عما يقوله الذين يتغنّون بالماضي لأسباب نفسية) ، فحياة البشرية بوجه عام في لحظة من الزمن أفضل عادة مما كانت عليه في حقبة سلفت ، فيما عدا التذبذب الذي لا يقاس عليه ، فهــــــي أفضل على المستوى الصحي ، ومقدار التحكّم بالطبيعة والظروف ، وعلى المستوى الاقتصادي ، ومستوى الوعي والمعرفة ، وعلى مستوى الحريات وكرامة الإنسان والديموقراطية ، وأفضل على مستوى تعدد وتزايد الخيارات المتاحة للأفراد ، وهذا أمرٌ تجزم به الأرقام والدراسات والإحصاءات ، ولا ينقضُهُ الحَنينُ إلـى الماضي ونسيان التجارب السلبية ، والاعتقاد بأن الأمس كان أفضل 0
قد يعجبك ايضا
أضف إلى ما تقدم من الأسباب التي تؤيد تبني التفاؤل كفلسفة حياة ، ومنهج تفكير ، وموقفٍ من الوجود ، أن نَقيضَهُ ـ أي التشاؤم ـ يرتبط بالأمراض النفسية في كثير من الحالات ، فمن أعراض الكآبة مثلاً النظرة السوداء إلـى الحياة وغياب الأمل بالمستقل 0 ومن جوهر القلق المَرَضْي وماهيته ، أن يتوقع الإنسان شراً وشيكاً في المستقبل يبعث فيه التوتر وعدم الارتياح باستمرار 00 بينما يرتبط التفاؤل عادة بالشخصيات المتوازنة 0 ويعتبره الباحثون أحد مقومات الشخصية القيادية ، وشرطاً من شروط النجاح ، إضافة إلى أن المتفائلين هم الأكثر سعادة في العادة ، وهم الأكثر قبولاً مـن طرف المجتمع ، لأنهم لا يُشيعونَ فيمن حولهم السوداوية والبؤس والخوف، بل يضفون على الآخرين جواً من الإيجابية والأمل والثقة 0
* تحليل التفاؤل والتشاؤم إلى عواملهما الأولية :
يرى الدكتور " مارتن سليجمان " في كتابه (تعلّم التفاؤل)، أن التفسير المتفائل للأحداث والوقائع يعتبر من العناصر الأساسية في التفكير الإيجابي ، وفي تحليله لطبيعة تفكير كل من المتفائل والمتشائم يذهب الى أن المتفائل يعتقد أن أسباب الأحداث السيئة مؤقتة وستزول ، بينما يعتقد المتشائم أنها أسباب دائمة ولن تزول ، لذلك تجد المتشائم يتعامل مـع الفشل والأحداث السيئة باستخدام عبارات مثل (دائماً) و(أبداً) ، بينما يستخدم المتفائل لوصف مثل تلك الأحداث عبارات مثل (أحياناً) و(مؤخراً) .
ومن جهة أخرى ، فإن المتفائلين ينظرون إلى الأحداث السعيدة على أنها أحداث لها أسباب دائمة ، كما أنهم ينسبون هذه الأسباب إلى خصائص شخصيتهم وسماتهم . بينما يفسر المتشائمون الأحداث السعيدة بأسباب مؤقتة كالحظ والمزاج وما إلى ذلك . علماً بأن المتشائمين الذين يفسرون الفشل والأحداث السيئة بنظرة شمولية ، ويفسرون الأحداث السعيدة بمحدودية ، ينهارون عادة أمام الضغوط ، وينساقـون نتيجة ذلك إلى فشل آخر جديد ، على خلاف المتفائلين تماماً .
ويعتقد الدكتور " سليجمان " أن التفاؤل أمر يمكن تعلُّمه وبناؤه واكتسابه ، ويقترح لذلك أسلوب تفنيد الأفكار المتشائمة ، فنحن ماهرون بالتفنيد وسَوْقِ مختلف الأسانيد التي تدعم دفاعاتنا ، إذا توجّهَ إلينا أي شخص بالانتقاد أو الاتهام . لكننا لا نستخدم الأسلوب ذاته في تفنيد أفكارنا المتشائمة ، مع أن ذلك ممكن ، إذا أدركنا الأفكار المتشائمة ، وقمنا بتحديدها ، ثم العمل على تفنيدها ، حيث أننا سنجد غالباً الكثير من الأسباب العقلية والواقعية التي تدحض تلك الأفكار .
* الخرافات التي ترتبط بالتفاؤل والتشاؤم :
وربما يظل الموضوع ناقصاً ، حين يتحدث المرء في أمر التفاؤل والتشاؤم ، دون أن يشير إلى الخرافات التي ترتبط بهذا الموضوع ، وأقصدُ بذلك توقُّعَ الخير والشر من خلال أشياء وأحداث وأشخاص ، بعيداً عن ربط النتيجة بالمسبب من خلال علاقة السببية المنطقية ، وذلك كالتشاؤم من طائرٍ معين ، أو من رقم ، أو من شخص ، أو التفاؤل بأيٍّ منها ، وكل هذا مجافٍ للمنطق والعلم ، بما في ذلك قصَّة النجوم والأبراج ، وبناء التوقعات المتفائلة أو المتشائمة عليها ، دون أي سببٍ علميّ مقنع يبرر هذا الربط ويفسره .
* وبعد ...
فلو أردنا أن نحكم على التفاؤل والتشاؤم كفكرتين ، بالاستناد إلى مذهب الفلاسفة البراجماتيين ، الذين يرون أن الفكرة الصادقة هي التي تعطي نتائج مفيدة في الواقع والتطبيق ، لوجدنا أن فكرة التفاؤل أكثر نفعاً ونجوعاً ، لأن نتيجتها هي الإقدام والمبادرة والبدء بالتغيير والتطوير ، كما أنها باعث على الاطمئنان الداخلي والثقة ، وبالتالي فهي الأكثر صدقاً . فهل نتفاءل بعد ذلك بالعام الجديد .... ؟
Like · · Share
تعليقات
إرسال تعليق