بدأت القضية عندما ذهبت زوجة باكية إلى دار الإفتاء المصرية، وتقدمت بطلب رقم 301 لسنة 2013م تقول فيه: «لي ثلاث بنات، اثنتان من زوجي السابق، وواحدة من زوجي الحالي. وأريد إنجاب طفلٍ رابع. فهل يجوز التدخل الطبي في تحديد نوع الجنين أم إنه حرام وتدخل في مشيئة الله؟».
أجاب الدكتور شوقي عبد الكريم: «خلق الله تعالى الإنسانَ خلقًا متوازنًا، فجعله زوجين، ذكرًا وأنثى، ومَيَّز كلًّا منهما بخصائص تتناسب مع الوظائف التي أقامه فيها، وبيّن أن هذه هي طبيعة الخلق التي تقتضي استمراره، فقال تعالى: ﴿يا أيها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم الذي خَلَقَكم مِن نَّفسٍ واحِدةٍ وخَلَقَ منها زَوجَها وبَثَّ منهما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللهَ الذي تَساءَلُونَ به والأَرحامَ إنّ اللهَ كان عليكم رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، وقال تعالى: ﴿وأَنَّه خَلَقَ الزَّوجَينِ الذَّكَرَ والأُنثَى مِن نُطفَةٍ إذا تُمنَى﴾ [النجم: 45-46]، وقال تعالى:﴿ومِن كُلِّ شَيءٍ خَلَقنا زَوجَينِ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49]
وأضاف: «هذا التنوع في الخلق والتوازن في الطبيعة هو ما اقتضته حكمة الله تعالى العليم بكل شيءٍ والقدير على كل شيءٍ، فقال تعالى: ﴿للهِ مُلكُ السَّمَواتِ والأَرضِ يَخلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لمَن يَشاءُ إناثًا ويَهَبُ لمَن يَشاءُ الذُّكُورَ أو يُزَوِّجُهم ذُكرانًا وإناثًا ويَجعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيمًا إنَّه عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ الشورى: 49-50. وعندما نتناول مسألةً تحديد نوع الجنين، فإننا نعالجها على مستويين مختلفين: فإذا عالجناها على المستوى الفردي فالأصل في الأشياء الإباحة، لأن الإنسان يمكنه أن يتزوج أو لا يتزوج، وإذا تزوج فيمكنه أن يُنجِب أو لا ينجب، وإذا أنجب فيمكنه أن يُنَظِّم النسل أوْ لَا ينظّمه، كلٌّ حسب ظروفه وأحواله، وكما يجوز للإنسان أن يعمل على زيادة نسبة اختيار نوع الجنين بما ينصح به المختصون في ذلك – مِن اختيار نوع الغذاء، أو توقيت الجماع قبل التبويض أو أثناءه، أو غربلة الحيوانات المنوية، أو غير ذلك مِن الأساليب التي يعرفها أهلُها».
وأضاف مفتي مصر: «يجوز التعامل المجهري مع الكروموسومات والمادة الوراثية DNA لنفس الغرض، إذ ليس في الشرع ما يَمنع ذلك على المستوى الفردي، ولكن كل هذا بشرط ألَّا يكون في التقنية المستخدمة ما يَضُرُّ بالمولود في أيَّامه ومستقبله، وهذا مَرَدُّه لأهل الاختصاص فلا يُقبَل أن يكون الإنسان محلًّا للتجارب، ومحطًّا لِلتَّلَاعُب».
وقسم مفتي مصر القضية إلى شقين قائلاً: «هناك فارق في الحكم بين تحديد نوع الجنين على المستوى الشخصي وعلى المستوى الجماعي، وذلك بناءً على ما هو مقرر شرعًا من اختلاف الفتوى باختلاف تعلق الحكم بالفرد وتعلقه بالأمة، فإذا عالجناها على مستوى الأمة فالأمر يختلف، لأن الأمر سيتعلق حينئذٍ باختلال التوازن الطبيعي الذي أوجده الله تعالى، وباضطراب التعادل العددي بين الذكر والأنثى، الذي هو عامل مهم من عوامل استمرار التناسل البشري، وتصبح المسألة نوعًا من الاعتراض على الله تعالى في خلقه، بمحاولة تغيير نظامه وخلخلة بنيانه وتقويض أسبابه التي أقام عليها حياة البشر. أما بالنسبة إلى الحالات الفردية، مثل صاحبة السؤال، فإن الإنجاب بطريقة الحقن المجهري جائزٌ شرعًا، إذا ثبت قطعًا أن البويضةَ مِن الزوجة والحيوانَ المنوي مِن زوجها وأُعيدت البويضة مُلَقَّحةً إلى رحم تلك الزوجة دون استبدالٍ أو خلطٍ بمَنِيِّ إنسانٍ آخر، وكانت هناك ضرورةٌ طبيةٌ داعيةٌ إلى ذلك، وكذلك تحديد جِنس الجنين جائزٌ شرعًا، ما لم يُشَكِّل اختيارُ أحد الجِنسين ظاهرةً عامة».
تعليقات
إرسال تعليق