أسماء العجرودي- إذا كانت تعاني شركتك تزايد نسبة الغياب بين الموظفين، والأعمال المتراكمة غير المكتملة، وارتفاع عدد الأعذار الطبية وتوقف الموظفين عن الإدلاء بأفكار جديدة ملهمة، فهذا مؤشر على أن فريقك أصبح لامباليا.
والأمر ذاته قد ينطبق على زبائنك الذين ملوا من الرسائل نفسها التي تجتاح صناديق بريدهم الإلكتروني. اكتساب الزبون والمحافظة على ولائه بات أمرا أشد صعوبة من أي وقت مضى. لكن لا تقلق لم يفت الأوان بعد؛ فهناك أمل في تحفيز الموظف، وتعزيز أدائه، وإرجاع العملاء الهاربين وجذبهم مرة أخرى للحصول على المزيد. فقط اسأل عن "اللعوبة".
"اللعوبة"، أو "gamification" بالإنجليزية، مصطلح أطلقه مهندس الحاسوب الإنجليزي نيك بيللينج منذ عقد من الزمان، أصبحت كلمة تجذب الكثير من الانتباه على الصعيد العالمي وتثير اهتمام الشرق الأوسط. وهي ببساطة تعني استعمال الآليات التي تستخدمها الألعاب ولكن في سياقات أخرى، كما تم تعريفها من قبل جاتنر (.Inc Gartner)، وهي شركة عالمية متخصصة في الأبحاث والاستشارات التكنولوجية.
بعبارة أخرى، اقتراض التقنيات نفسها التي تستبقي اللاعبين أمام أجهزتهم لساعات طويلة بهدف اكتساب مكافآت غير ملموسة، وتطبيقها في مجالات مثل التوظيف والإدارة والتسويق لتوليد الأعمال التجارية.
على مر الأعوام السابقة، تمكن مصممو ألعاب الفيديو من تحديد الميول الطبيعية البشرية، مثل المنافسة، احترام الذات، الاستقلالية والسيادة كمحفزات جوهرية تدفع المستخدمين إلى إدمان ألعاب الفيديو. واستنادا إلى هذه الصفات، بدأت الشركات باللجوء إلى استخدام نظام لوحة المتميزين والأوائل، والنقاط والشارات، وهي مكافآت ظاهرية أو غير ظاهرية تقدم رمزا للإنجاز الفردي. وقد نجحت هذه الأشكال من المكافآت في استراتيجيات الشركات للدفع بتغيير السلوك الحالي للموظفين والعملاء أو للتشجيع على القيام بالسلوك المرغوب فيه سواء على النطاق الداخلي للشركة أو ضمن السوق المستهدفة للشركة.
على سبيل المثال، الموظفون العاملون في مراكز الاتصال تحتم عليهم وظيفتهم إعادة المعلومات نفسها مئات المرات للمتصلين الذين يغمرون خطوط الهاتف باستفساراتهم يوميا. إن الأعمال اليومية والروتينية تقضي على الإلهام والإبداع، وبالتالي تؤثر في الأداء الوظيفي، ولكن هناك حلول بسيطة في مقدورها تحقيق الكثير من التغيير.
بمقدور إقامة لوحة المتميزين والأوائل في العمل أن تساعد على إثارة روح المنافسة بين الموظفين وتحفيزهم على تحسين الأداء. فقد يدفع إدراك أحد الزملاء في العمل أن زميله متقدم عليه بفارق نقطتين فقط إلى بذل مزيد من الجهد وزيادة إنتاجيته لملاحقته أو التغلب على مجموع نقاطه. في هذا الإطار، فإن المحفزات الشبيهة بتلك التي نجدها في الألعاب كانتصار الموظف الملتزم بأعماله والعالي الأداء وتسليط الضوء على إنجازاته يمكن أن يتم توظيفه في مكان العمل لتشجيع زيادة الإنتاجية.
لكن ربما تكون اللعوبة ملحوظة بالدرجة الكبرى في مجال التسويق، (نايك- Nike)تبرز باعتبارها من أول المتبنين والداعمين مفهوم اللعوبة الذي اتضح من خلال مشروع (نايك بلاس- +Nike) في 2008 والذي حول التدريب البسيط إلى بطولة ظاهرية. إقرارا برغبة الإنسان بتحقيق أهدافه وتشاطر هذه الإنجازات مع الآخرين، مشروع (نايك) الملعوب استطاع بيع مليون وثلاثمئة ألف قطعة (نايك بلاس) في 2010.
ليس على محبي اللياقة البدنية إلا أن يضعوا عداد الخطى في أحذية (نايك) الخاصة بهم ويباشروا الجري. وظيفة العداد حساب المسافة المقطوعة، والسرعة، والسعرات الحرارية المحروقة ثم ينقل البيانات إلى الأجهزة الذكية الخاصة بالعميل. يستقبل العميل رسالة صوتية تهنئه على إنجازه كل مرة يحطم فيها رقما قياسيا جديدا، ومن ثم يستطيع أن يعرض سجله على الإنترنت ليتنافس مع غيره من العملاء.
(نايك) ليست الوحيدة في هذا. إذ إن آليات اللعوبة أثبتت نجاحها في زيادة عدد العملاء لدرجة أن الكثير من المنظمات من مجموعة واسعة من الصناعات بدأت تبحث عن حلول ملعوبة لتعزيز ولاء زبائنها.
لتلبية الطلب المتزايد على اللعوبة، بدأت وكالات مختصة في اللعوبة تنضم لقطاع الأعمال. (بادجفيل- Badgeville) المسماة بمنبر السلوك والتي أسست في 2010 تعد من رواد العالم في هذا المجال، وحاليا أكثر من 250 شركة عالزج تقنيات اللعبة مع تقنيات السمعة والتقنيات الاجتماعية. الأولى قد تعني الحصول على جائزة ظاهرية أو تقييم إثر الوصول إلى مستوى أعلى؛ في حين أن الثانية تعتمد على ربط المستخدمين وتعزيز السلوك المرغوب فيه على الشبكات الاجتماعية بناء على طلب الشركة العميلة. تقنيات السمعة في الوقت ذاته ترتبط بمحفزات نفسية كالرغبة في أن يكون إنجاز مهمة ما معترف به من قبل الآخرين.
المنبر الإلكتروني لـ(بادجفيل) هو خاصية مميزة تبرر وجود هذه الشركة في قائمة (فوربس) لأكثر 100 شركة أمريكية واعدة (FORBES' 100 Promising US Companies). بفضل خبراء تصميم الألعاب، تمكنت الشركة من بناء وتطوير منبر إلكتروني يلجأ إليه العملاء للحصول على أفكار متاحة بدلا من الاضطرار لتصميم برامج خاصة بهم من الصفر. العروض المتطورة لبادجفيل لم تغر العملاء للاستفادة من خدماتها فقط، بل أيضا الشركاء التجاريين مثل (ذا جايميفايرز- The Gamifiers) وهي أول وكالة رقمية مختصة في "اللعوبة" في الشرق الأوسط والتي تتخذ من دبي مقرا لها.
يقول شريف دهان، الشريك المؤسس والمدير الشريك لـ(ذا جايميفايرز): "ما تعرضه (بادجفيل) هو منبر يحتوي على قواعد وميكانيكيات بنيت كي تقفز بجهودك اللعبوية".
كان دهان سباقا طوال حياته المهنية. إذ كان من أول من جلب إلى المنطقة الإعلان الإلكتروني خلال خدمته لشركات كبرى مثل (مايكروسوفت- Microsoft)، (أم أس أن- MSN) و(فايسبوك- Facebook). ويضيف قائلا: "قررت أن أتنحى جانبا وأن أقوم فعلا بشيء بمفردي. قلت لنفسي، إن كنت أريد أن أقدم شيئا للشرق الأوسط ينبغي أن أكون أحد الرواد في ذاك المجال. هنا بدأت التفكير في اللعوبة".
وبعد القراءة الكثيفة عن المفهوم، بالإضافة إلى الحصول على شهادة في اللعوبة من (جامعة وارتـــن للأعمال- Wharton School of Business)، تمكن دهان من إقناع (بادجفيل) بتوسيع خدماتها في منطقة الشرق الأوسط. يصرح دهان: "قلت لهم أود أن أصبح شريكا لكم وأن أجلب اسمكم، ومنبركم وخدماتكم لهذا الجزء من العالم. أنا واثق من أننا نستطيع أن نقوم بهذا معا. وهكذا تحققت الشراكة".
بعد أن يتم تصميم البرنامج واختباره يتم فحص النتائج في مختبر السلوك في (بادجفيل)، وهي ميزة حصلت عليها (ذا جايميفايرز) من خلال الشراكة التجارية. يقول دهان: "هؤلاء الأشخاص هم علماء بيانات، وأخصائيو سلوك، وهم أيضا جزء من الفريق الذي يصمم البرنامج". يدرس خبراء البيانات سلوك المستخدمين فيما يخص البرنامج الملعوب، ويسلطون الضوء على حالات زيادة أو نقصان تفاعل المستخدم مع البرنامج ثم يشيرون إلى المناطق التي يلزم تعديلها". يضيف دهان: "اللعوبة، هي عملية قائمة على التكرار، وهي ليست عملية تجرى لمرة واحدة لأن نجاحها مضمون تماما. عليك أن تعيد التكرار. عليك أن تدرس النتائج، تميز بين ما يعمل وما لا يعمل، وأن تعدل وتحسن على طول المدى". بالرغم من أنه من السابق أوانه التنبؤ بمستقبلهم، بروز هذه الوكالة الرقمية الحديثة هي بمثابة مظهر من المظاهر التي تثبت النمو المتزايد لاهتمام الشرق الأوسط بمفهوم اللعوبة. بالرغم من وجود مقرها الرئيسي في دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، (ذا جايميفايرز) بدأت عملياتها رسميا في 2013 وامتدت فورا لعرض خدماتها في كل من مصر وقطر والمملكة العربية السعودية.
ولكن، بالرغم من أن الشركة ما زال ينبغي عليها أن تطلق منتجها الأول وبالرغم من حداثة المفهوم والشركة في الشرق الأوسط، فهدف (ذا جايميفايرز) الأول هو تثقيف السوق الإقليمي. "هذا تحد كنا على علم به أنا وشركائي طوال الوقت. إذا كنت تجلب شيئا جديدا فأنت من أول المحركين وتستفيد من هذا الموقع".
يضيف دهان قائلا: "الوجه الآخر للعملة هو أنك تحتاج إلى أن تثقف الوكالات والعملاء أولا". يقول دهان: "ولكن في حين أن مفهوم اللعوبة يلفت الانتباه على نطاق عالمي، يرى النقاد أنه ليس سوى أكثر بقليل من موضة عابرة. علاوة على ذلك، تتنبأ (غارتنر) أن %80 من شركات Global 2000 ستخفق في دمج اللعوبة لاستراتيجياتها بسبب ضعف في التصميم. ولكن دهان يؤمن أن ردة فعل السوق الإقليمية لموضة اللعوبة يبشر بالخير حتى الآن. وكالات التسويق عليمة بهذا المفهوم، واللعوبة توجد على أجنداتها على المدى الطويل، والشركات الصغرى والكبرى منها في الشرق الأوسط في صدد البحث عن طرق لدمج اللعوبة في آلياتها".
شركة وليدة قائمة على مفهوم جديد؛ الوقت هو الذي سيثبت إن كانت (ذا جايميفايرز) ستتمكن من تغيير وجه التسويق والإعلان وإنتاجية العمال في منطقة الشرق الأوسط. ولكن دهان وفريقه- كرواد اللعوبة في الإقليم- الآن يتبنون الموجة العالمية لخلق أجواء مرحة وتفاعلية في قطاع الأعمال.
فوربس
تعليقات
إرسال تعليق