القائمة الرئيسية

الصفحات


سكان فلسطين عشية الاحتلال اليوناني
استقبلت فلسطين هجرات وغزوات من الشرق، بدأ ذلك في الألف الرابعة ق.م، واستمر حتى أواخر القرن الرابع ق.م، وونتيجة لهذه الحركة الدائبة والمستمرة في هذه الفترة الزمنية، سنجد أن السكان يتوزعون على أرض فلسطين حسب التقسيم التالي:

أولاً: كان أكثر سكان الجليل من الكنعانيين، إضافة إلى قبائل عربية جاءت في وقت متأخر يُطلق عليهم اسم (الأيطوريين)، وقد امتزج هؤلاء بالكنعانيين.
ثانياً: انتشر الكنعانيون كذلك على السهل الساحلي من جنوب صور وحتى أواسط السهل الساحلي.
ثالثاً: كان سكان السهل الساحلي الأوسط والجنوبي من قبائل الباليستا، وهؤلاء اندمجوا بالكنعانيين بشكل كامل.
رابعاً: كان يُطلق على الجزء الجنوبي من فلسطين اسم (أدوم) نسبة إلى الأدوميين العرب الذين دخلوا فلسطين في القرن السابع ق.م.
خامساً: سكن اليهود الذين أعادهم الفرس إلى فلسطين في منطقة القدس.
سادساً: في السامرة، فإن الآشوريين كانوا قد قاموا بسبي اليهود، وجلبوا إلى المنطقة بعض سكان الرافدين، وأصبح يُطلق اسم السامريين على مجموعة بشرية مختلفة عرقياً عن بقية اليهود، لكنها تدرين باليهودية، وتمتلك وجهة نظر مختلفة عن بقية اليهود، إذ أنهم لا يؤمنون إلا بأسفار موسى الخمسة.


علاقة اليونان بفلسطين:
لقد اتصل أبناء المدن اليونانية بهذه المنطقة من خلال قنوات عديدة يمكن تلخيصها في التالي:
أولاً: خرج أبناء المدن اليونانية إلى سواحل البحرين (المتوسط والأسود)، وأقاموا عشرات المستوطنات بحثاً عن العمل خارج حدود بلادهم الفقيرة في الموارد.
ثانياً: جاء تجار بلاد اليونان وبحارتها إلى موانئ فلسطين ينقلون إليها ما عندهم، ويحملون منها ما كان يتجمع فيها من سلع الأقطار الواقعة إلى الشرق والجنوب، وقد كانت غزة من أكبر الموانئ التي كانت تنتهي إليها القوافل القادمة من البتراء محملة بالبخور والعطور، فكان التاجر اليوناني يحمل منها حاجته.
ثالثاً: كان أبناء اليونان يعملون جنود مرتزقة مع الآشوريين والبابليين والفرس، وحدث أن استعان الفرس بمرتزقة اليونان لإخماد ثورة في مصر، وفي نفس الوقت استعان المصريون بالمرتزقة اليونان، وهكذا فقد كان المرتزقة اليونان يتقاتلون دفاعاً عن خصمين، وكذلك أخمد مرتزقة اليونان سنة 350 ق.م ثورة في صيدا لحساب الفرس.
رابعاً: جيش الإسكندر المقدوني جاء بجنود مختلفين، ويشعرون بالتفوق، ويحملون روحاً عدائية لسكان المنطقة. 


غزوة الإسكندر المقدوني:
اعتلى عرش مقدونيا سنة 336ق.م الاسكندر بن فيليب، وفي سنة 334ق.م اجتاز الاسكندر البحر من اليونان متجهاً نحو آسيا الصغرى، ثم اتجه إلى الشام، وتسلّم أرواد من أهلها، ثم احتل دمشق، وبعد ذلك اتجه إلى الساحل الشامي واحتل العديد من المدن.
حاصر الإسكندر المقدوني مدينة صور سبعة أشهر، وقتل من سكانها الآلاف، وباع عدداً كبيراً من أهلها في سوق العبيد بعد استسلامها، وبعد ذلك توالى سقوط المدن الفلسطينية في يد الإسكندر، إلا أن غزة كانت المدينة الثانية التي تصدت له، وكان يوجد في غزة حامية فارسية قاتلت إلى جانب أهل المدينة، وتمكن المقاتلون من الصمود شهرين، وأوقعوا خسائر كبيرة في قوات الإسكندر، كما أُصيب الإسكندر بجّرح في كتفه، الأمر الذي دفعه للانتقام من سكان غزة بعد اقتحامها، وأوقع بحاميتها مجزر دامية، وسيطر على ما فيها من ذخائر ومؤن وجواهر، وأرسل قسماً كبيراً إلى مقدونيا، وباع كثيراً من أهلها في سوق العبيد، ثم عفا عمن تبقى.
لقد استولى الإسكندر المقدوني على بلاد الشام بشكل كامل سنة 332 ق.م، وكان اليهود قد فتحوا له أبواب القدس، واستقبلوه بالترحاب، رغم أن الفرس هم الذين ساعدوهم على العودة من منفاهم في بابل.
 ثم استولى على مصر سنة 330 ق.م، وحدث ذلك بشكل سلمي بسبب شدة معاناتها من الفرس، خاصة بعد ثورات أهلها، وخطط مدينة الإسكندرية، ونظّم شئون مصر، ثم واصل احتلالاته في المنطقة حتى تجاوزها، ووصل إلى الهند، لقد كانت أحلام الإسكندر كبيرة لكنه مات سنة 323 ق.م. تاركاً وراءه إمبراطورية مترامية الأطراف
كانت سياسة الإسكندر تقوم على تشجيع اختلاط الشعوب اليونانية التي لحقت به بالشعوب المحلية، فقد تزوج هو من ابنة داريوس الثالث، وبنى حوالي 70 مدينة في مناطق المستعمرات المختلفة، وصك عملة موحدة لكل الإمبراطورية مما سهّل حركة التجارةـ، وأصبحت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية. وكان الإسكندر يحلم بتأسيس مجتمع عالمي تسوده الحضارة اليونانية، ولهذا أكثر من بناء المدن اليونانية في الشرق.
بعد وفاة الإسكندر، دارت حروب بين القادة العسكريين، ونتيجة لهذه الحروب انقسم اليونانيون (أو الإغريق)، ووقعت العراق والشام تحت سيطرة السلوقيين (نسبة إلى القائد اليوناني سلوقس)، أما مصر فقد كانت من نصيب البطالسة أو البطالمة (نسبة إلى القائد اليوناني بطليموس).
حدث صراع بين الطرفين على أرض فلسطين طوال القرن الثالث ق.م.، واستهدف الطرفان السيطرة على الجزء الجنوبي من بلاد الشام، فقد كانت مصر ترى في تلك الرقعة خط الدفاع الأول عنها، فضلاً عن أن المنطقة كانت غنية بالأخشاب التي كانت مصر تفتقر إليها، وكانت مصر حريصة على السيطرة على مراكز التجارة والطرق التجارية على شواطئ المتوسط.
وكان السلوقيون يريدون السيطرة على جنوب بلاد الشام للسيطرة على مراكز التجارة وطرقها المركزية، ودارت خمسة حروب بين الطرفين في الفترة الواقعة بين سنة 276-200 ق.م.
وكان البطالسة قد تمكنوا من السيطرة على فلسطين سنة 312 ق.م , ثم عاد السلوقيون وسيطروا على فلسطين من جديد في عهد ملكهم أنطوخيوس الثالث سنة 198 ق.م .
حكم البطالمة:
بعد انتصار بطليموس الأول جاء بنفسه على رأس حملة عسكرية كبيرة إلى القدس، ونقل رجالها إلى مصر عبيداً، واستخدمهم في أعمال السخرة كبناء الجسور والمنازل وشق الطرق. وأسر بعض اليهود، وحملهم إلى الإسكندرية، وشجعهم على الهجرة.
أما بطليموس الثاني فقد أسس بعض المدن في فلسطين وشرق الأردن، وحقق نجاحاً في حربه ضد الأسرة السلوقية، ودعا إلى ترجمة العهد القديم فيما يُعرف باسم الترجمة السبعينية، واُطلق سراح المعتقلين اليهود الذين اعتقلهم والده، وأسكنهم في معسكرات كمرتزقة، وعندما اعتلى بطليموس الثالث عرش مصر، هاجم بلاد الشام، وسيطر عليها، وتمكن من أسر عدد من اليهود، وقام بتوطينهم في مصر.


حكم السلوقيين
لقد حاول القائد السلوقي (أنطوخيوس الثالث) استرداد المناطق التي احتلها البطالمة، لكنه هُزم في رفح سنة 217 ق.م.، لكنه استطاع استرداد الشام تحت سيطرته بعد أن انتصر على البطالمة في معركة بانياس سنة 198 ق.م.، وأعطى أنطوخيوس الثالث لسكان الشام مزايا جديدة منها إعفاءهم من الضرائب مدة ثلاثة أعوام.
كان البطالمة قد فرضوا العادات والتقاليد اليونانية على سكان البلاد الخاضعة لإمبراطوريتهم، ولما انتقل حكم فلسطين إلى السلوقيين، استمروا في التشديد على السكان بضرورة اتباع العقائد اليونانية، وبخصوص اليهود فقد برز حزبان، الأول اقتدى باليونان، واقتبس مظاهر الحياة اليونانية، وحزب آخر تعصّب لعقائده، وأصرّ على البقاء على أساليب الحياة اليهودية.
وعندما تولى أنطوخيوس الرابع (ت 164 ق.م.) الحكم، دعا  جميع شعوب الإمبراطورية للتخلي عن عاداتهم الخاصة بحيث يصبح الجميع شعباً واحداً، وكان هذا هو حلم الإسكندر المقدوني، لكن هذا الأمر بالنسبة لليهود كان يعني التخلي عن بعض عاداتهم وطقوسهم التوراتية مثل الختان، كما كان يفرض عليهم تقديم القرابين للأوثان، والعمل يوم السبت.


الثورة المكابية:
وهدد أنطوخيوس الرابع من يخالف هذه السياسة بالعقوبة، وفي عام 167 ق.م. تمردت الأسرة الحشمونية، فأرسل أنطوخيوس الرابع جيشه واحتل المدينة ونهب ممتلكاتهم، وقتل الكثيرين. وقاد هذه الثورة ابن زعيمها، ويُدعى يهودا، وكان يحمل لقب (مكابي- أي المطرقة)، ولهذا سُمّيت الثورة المكابية نسبة إلى لقب زعيمها، وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليهود في كُتبهم يعرضون هذه الثورة على أنها جزء من الاضطهاد الذي يستهدف اليهود منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويركزون على اعتبارها جزءاً من البطولة اليهودية في مواجهة البطش الذي تمارسه الأمم الأخرى ضد اليهود.
قُتل يهودا المكابي سنة 142ق.م.، فتولى قيادة الثورة شقيقه سمعان، ثم أصبح سمعان هو الكاهن الأعظم والقائد العسكري للأسرة الحشمونية، ومنح السلوقيون اليهود الاستقلال تحت حكم سمعان، وأخذ سمعان يضرب النقود، لكن خلافاً دب في الأسرة الحشمونية على القيادة، أدى إلى حروب أهلية.
تعرّض الحكم السلوقي لضعف، فاستغله الحشمونيون، وتصرفوا بشكل مستقل، ثم توسعوا أحياناً في بعض مناطق فلسطين، وأرغموا شرائح من المجتمع اعتناق الديانة اليهودية.
ثم حاول السفاح إسكندر جينوس فرض اليهودية على غزة، فتصدت له، ورفض أهلها ذلك، فأوقع مجازر دامية في جنوب فلسطين في مرحلة امتدت من 103-76ق.م.، وأحدث خراباً واسعاً على الساحل الفلسطيني بين غزة وعسقلان.
وفي هذه الفترة أجرى بعض حكام الحشمونيين اتصالات مع روما، وأقاموا علاقات مع حكامها، الأمر الذي ساعدهم عندما احتل الرومان فلسطين.
الأوضاع الاقتصادية خلال الاحتلال اليوناني
كانت فلسطين تُصدّر الصوف والسمك المملح والأجبان إلى مصر، وكانت تستورد من مصر ورق البردي والزجاج والفخار والأقمشة، كما استوردت من المدن اليونانية عدداً من السلع.
واشتهرت غزة بتجارة الطيب والبخور حيث كانت قوافل الأنباط توصلها إلى غزة، ومنها كانت توزع إلى موانئ سوريا واليونان، كما اهتم أهل فلسطين بالزراعة والإنتاج الحيواني.


الأنباط وفلسطين في العهد اليوناني:
جاء الأنباط من قلب الجزيرة العربية نحو 500ق.م.، وسكنوا في منطقة الأردن، واتخذوا من البتراء عاصمة لهم، وسرعان ما طوّروا حياتهم من الرعي إلى الزراعة والتجارة، وقد توسعوا في الغرب حتى شملت أرضهم جنوب فلسطين وغربها، ووصلت شرقي الدلتا.
وكان الأنباط سابقاً قد شاركوا في مقاومة الإسكندر المقدوني سنة 332 ق.م. في غزة مما أدى إلى صمود غزة شهرين في وجه الإسكندر.
كان الأنباط العرب والمكابيون اليهود على عداء شديد، فعندما دب الخلاف حول الكهانة العظمى، لجأ ياسون كبير كهنة القدس إلى الحارث الأول النبطي، ثم قام الحارث الثاني سنة 96 ق.م. بمساعدة أهالي غزة عندما هاجمها اليهود المكابيون، وتمكن الحارث الثاني من إنقاذ غزة من مجزرة أكيدة.

Reactions

تعليقات