القائمة الرئيسية

الصفحات



ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم وطبيب مسلم من بخارى، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى (في أوزبكستان حاليا) من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليا) وأم قروية سنة 370 هـ (980م) وتوفي في مدينة همدان (في إيران حاليا) سنة 427 هـ (1037م). عُرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. وقد ألّف 200 كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ في العالم ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراط وجالينوس. وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب، وبقي كتابه (القانون في الطب) العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا  ويُعد ابن سينا أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء. وكتاب كتاب الشفاء.

ولد في قرية افشنا قريبة من بخارى من أب بلخي، وكان والده شيعياً إسماعيلياً، كما قال ابن سينا، وقد كان يحضر اجتماعاتها السرية ويعقد بعضها في بيته، ويحرص على حضور ابن سينا وأخيه لتلك الاجتماعات، وكان ابن سينا مهتما بها ومواظبا على حضورها. رحل إلي مدينة بخارى وهناك التحق ببلاط السلطان نوح بن منصور الساماني، الذي اسند إليه متابعة الأعمال المالية للسلطان.
في بخارى بدأ ابن سينا رحلة تلقي العلوم, حيث حفظ القرآن بأكمله وعمره لم يتجاوز العاشرة، ثم تلقي علوم الفقه والأدب والفلسفة والطب. ويُذكر أن ابن سينا درس على يد عالم بُخاري متخصص بعلوم الفلسفة والمنطق اسمه "أبو عبد الله النائلي" وهو من الفلاسفة، فأحسن إليه والده واستضافه وطلب إليه أن يلقِن ابنه شيئا من علومه، فما كان من هذا العالم إلا أن تفرَغ لتلميذه، وأخذ عليه دروساً من كتاب المدخل إلى علم المنطق المعروف باسم "إيساغوجي".
وكان النائلي أشد ما يكون إعجاباً من تلميذه " ابن سينا " حين وجده يجيب عن الأسئلة المنطقية المحورية إجابات صائبة تكاد لا تخطر على بال معلمه. واستمر ابن سينا مع معلمه إلى أن غادر هذا المعلم بلدة بخارى. بدأ نبوغ ابن سينا منذ صغره, إذ يحكي أنه قام وهو لم يتجاوز الثامنة عشر بعلاج السلطان نوح بن منصور الساماني، وكانت هذه هي الفرصة الذهبية التي سمحت لابن سينا، التحاقه ببلاط السلطان ووضعت مكتبته الخاصة تحت تصرف ابن سينا.


وفي حديث لابن سينا وهو يترجم سيرته الذاتية التي رواها ترميذه أبو عبيدة الجوزجاني  حديث نشأته فيقول «إن أبي كان رجلاً من أهل (بلخ)  وأنتقل إلى (بخارى)  في أيام (نوح بن منصور) وأشتغل بالتصرف وتولى العمل في أثناء أيامه بقرية يقال لها : (خرميشن)  من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى، وبقربها قرية يقال لها : أفشنة، وتزوج أبي منها بوالدتي، وقطن بها وسكنها وولدت له بها، وولد أخي ثم انتقلنا إلى بخارى وأحضرت معلم القرآن، ومعلم الأدب، وأكملت العشر من المعمر، وقد أتعبت على القرآن، وعلى كثير من الأدب، حتى كان يقضي مني العجب...».
ابن سينا كان متوقد الذكاء، امتاز بمواهبه الفذة، وعبقريته الأهابة في تعلم القرآن والأدب وهو ابن عشر سنين وتعلم حساب الهند، وأشتغل بالفقه وتردد على إسماعيل الزاهد، حتى ألف طرق المطالبة ووجوه الاعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به، ثم ابتدأ كتاب إيساغوجي على الناتلي وأحكم المنطق، وكتاب أقليدس، وانتقل إلى المجسطي، قرأها جميعاً على نفسه، وفهمها، وأستمر على طريقته يعلم نفسه ويثقفها، ويقول : «وصارت أبواب العلوم تتفتح علي، ثم رغبت في علم الطب، وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه، وعلم الطب ليس من الأمور الصعبة، فلا جرم أني برّزت فيه في أقل مدة... وتعهدت المرضى، فانفتح علي من أبواب المعالجات من التجربة ما لا يوصف».
لقد كان الشيخ الرئيس متفائلاً في جميع مراحل حياته يعتقد أن العالم الذي نعيش فيه أحسن العوالم الممكنة وكان شديد الارتباط بموطنه الأصلي، فهو لم يغادر موطنة رغم اضطراب حياته فيها، وهو بذلك يخالف الفارابي (الذي كان يجول البلاد دون التقيد بأي رابطة طبيعية أو اجتماعية).


ولد الشيخ الرئيس عام 370 هـ في قرية أفشنة ويقول نفسه : «تزوج أبي منها (أفشنة) بوالدتي وقطن فيها وسكن، وولدت منها بها ثم ولدت أخي ثم انتقلنا إلى بخارى (وهي مدينة من بلاد ماوراء النهر، فتحها قتيبه بن مسلم الباهلي، سنة 90 هـ) أما والده فهو من أهل بلخ، وأنتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور وعمل في وظيفة إدارية، وهي تقابل وظيفة الوالي أو مدير الناحية أو عامل الإقليم، في قرية يقال لها (خرمثين) من ضياع بخارى، وهي من أمهات القرى، وبقربها قرية يقال لها (أفشنة) التي ولد بها ابن سينا.
والذي يظهر أن والد ابن سنيا عبد الله بن علي كان من الموظفين الكبار في عهد نوح بن منصور وهو فارسي من أهل بلخ، التي تقع الآن في أفغانستان - أما والدته فهي من قرية خرمتين - التي تقع في بخارى وهي اليوم في منطقة أوزباكستان - ثم انتقلت وظيفة والده إلى بخارى قاعدة الدولة السامانية حتى يتيح لولديه فرصاً أكبر من العلم والتعليم.


كان ابن سينا محبًا للترحال لطلب العلم، رحل إلي خوارزم وهناك مكث عشر سنوات ثم تنقل بين البلاد ثم ارتحل إلى همدان وهناك مكث تسع سنوات ثم توفى هناك.


يعتبر الفكر الفلسفي لأبو علي ابن سينا امتداد لفكر لفارابي وقد أخذ عن الفارابي فلسفته الطبيعية وفلسفته الإلهية أي تصوره للموجودات وتصوره للوجود وأخذ منه على الأخص نظرية الصدور وطوّر نظرية النفس وهو أكثر ما عني به. يدعي مخالفوه أنه كان يقول بنفس المبادئ التي يدعون أن الفارابي من قبله نادى بها بأن العالم قديم أزلي وغير مخلوق، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، ونفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح في يوم القيامة.



أهمية ابن سينا الفلسفية تكمن في نظريته في النفس وأفكاره في فلسفة النفس، مقدمات ابن سينا في النفس هي مقدمات أرسطية. تعريف ابن سينا للنفس: النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي من جهة ما يتولد (وهذا مبدأ القوة المولدة) ويربو (وهذا مبدأ القوة المنمية) ويتغذى (وهذا مبدأ القوة الغاذية) وذلك كله ما يسميه بالنفس النباتية. وهي كمال أول من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة وهذا ما يسميه بالنفس الحيوانية. وهي كمال أول من جهة ما يدرك الكليات ويعقل بالاختيار الفكري وهذا ما يسميه النفس الإنسانية.


ونعني في التعريف السابق أن النفس عند ابن سينا 3 نباتية/حيوانية/إنسانية.
كمال أول: تعني مبدأ أول
ذي حياة بالقوة: يعني لدينا جسم مستعد وطبيعي لتقبل الحياة
مبادئ النفس النباتية: تنمو وتتوالد وتتغذى ولا يفعل النبات أكثر من ذلك.
مبادئ النفس الحيوانية: تدرك الجزئيات (مثلا يدرك أفعى أمامه/ إنسان أمامه) يتحرك بالإرادة أي فيه إرادة توجهه (مثلا الأسد بإرادته ممكن أن يقفز على إنسان ويبتلعه).
مبادئ النفس الإنسانية: تدرك الكليات، اختيار فكري أي الحرية الفكرية التي نتوجه لها للاختيار من بين بدائل مختلفة.

تصور ابن سينا لأصل النفس:
من أين جاءت ؟
علاقة النفس بالبدن.
مصير النفس.
المسألة غامضة عند ابن سينا ولكن ربما قصيدته العينية هي التي تعبر أكثر من غيرها عن رأي ابن سينا في المسائل الثلاث. قصيدته مكونة من 4 أقسام لدى قراءتها تتضح الإجابة على الثلاث أسئلة السابقة.
البراهين على وجود النفس عند ابن سينا:
برهن ابن سينا على وجود النفس عن طريق:
1- البرهان الطبيعي :
ويعتمد هذا البرهان على مبدأ الحركة والتي هي نوعان:
حركة قسرية: ناتجة عن دفعة خارجية تصيب جسما فتحركه
حركة لاقسرية: وهذا ما عناها ابن سينا وهي أنواع:
منها ما يحدث على مقتضى الطبيعة كسقوط حجر من الأعلى إلى الأسفل
منها ما يحدث ضد مقتضى الطبيعة وهنا يكمن "البرهان"
كالإنسان الذي يمشي على وجه الأرض مع أن ثقل جسمه يدعو إلى السكون, هذه الحركة المضادة للطبيعة ولقوانينها تستلزم محركا خاصا زائدا على عناصر الجسم المتحرك ألا وهي (النفس)

2- البرهان النفسي:
ويقوم هذا البرهان على الأفعال الوجدانية والإدراك, فالإنسان يمتاز عن الحيوان بأنه يتعجب ويضحك ويبكي, كما أنه من أهم خواصه: الكلام واستعمال الرموز والإشارات وإدراك المعاني المجردة واستخراج المجهول من المعلوم. هذه الأفعال والأحوال هي مما يختص به الإنسان, وهي ليست راجعة للبدن, بل هي قوة مستقلة كما قال ابن سينا شيء آخر لك ان تسميه النفس. وهذا الجوهر الذي يتصرف في أجزاء بدنك هو فيك واحد وهو انت بالتدقيق..
قصيدته العينية في النفس والتي يقول أول أبياتها:
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع

المسألة غامضة عند ابن سينا ولكن ربما قصيدته العينية هي التي تعبر أكثر من غيرها عن رأي ابن سينا في المسائل الثلاث. قصيدته مكونة من4 أقسام.
يشير ابن سينا في قسمها الأول من أين جاءت النفس ويقول أنها جاءت من محل أرفع أي من فوق وأتت رغما عنها وكارهة لذلك، ثم تتصل بالبدن وهي كارهه لكنها بعد ذلك تألف وجودها بالبدن، وتألف البدن لأنها نسيت عهودها السابقة كما يقول في قصيدته، إذن فهو يقول هبطت النفس من مكان رفيع، كرهت وأنفت البدن، ثم ألفته واستأنسته، ثم رجعت من حيث أتت وانتهت رحلتها والآن في القسم الأخير من القصيدة يبدأ ابن سينا يتساءل لماذا؟ فيجيب أنها هبطت لحكمة إلهية، هبطت لا تعلم شيء لتعود عالمة بكل حقيقة ولكنها لم تعش في هذا الزمن إلا فترة.



أقدم نسخة لـ ابن سينا الصفحة الثانية من "قانون في الطب" من عام 1030 ميلادية.
الإشارات والتنبیهات : في كتابه كتاب الإشارات الذي ذهب فيه مذهب أرسطو وقربه قليلاً إلى الأديان، فهو مؤسس الاتجاه الفلسفي الذي تحدى العقيدة وفكرة النبوة والرسالة في الإسلام وكان يقول بقدم العالم وإنكار المعاد ونفي علم الله وقدرته وخلقه العالم وبعثه من في القبور.
وذهب ابن سينا مذهب الفلاسفة من أمثال الفارابي أبي نصر التركي الفيلسوف، وكان الفارابي يقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني، ويخصص بالمعاد الأرواح العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين، وأعاد تلك الفكرة ابن سينا ونصره، وقد رد عليه الغزالي في تهافت الفلاسفة في عشرين مجلساً له كفَّره في ثلاث منها وهي قوله بقدم العالم، وعدم المعاد الجثماني، وقوله إِنَّ الله لا يعلم الجزئيات، وبدّعه في البواقي.
لا شك أن صحبته لفلاسفة الباطنية (أبو عبد الله النائلي الذي علمه بصغره) قد أثرت في تفكير ابن سينا، وهيأته للدور الذي لعبه في تنشيط تيار الفلسفة واتخاذها موقف التحدي للعقيدة الإسلامية، ومثال على ذلك "نظرية المعرفة" والتي ساوى فيها الفلاسفة مع الأنبياء، وقد خص الفلاسفة بميزة أخرى وهي أن الفلاسفة استمروا في رسالتهم وارتقاء معارفهم في الوقت الذي ختمت النبوة بمحمد.
وكان اتباعه يدعون بـ "الألى" وقالوا مقالته ومن أشهرهم النصير الطوسي واسمه محمد بن عبد الله ويقال له الخواجا نصير الدين، الذي انتصر لمذهب ابن سينا والذب عنه وشرح إشاراته وكان يسميها "قرآن الخاصة"، ويسمي كتاب الله "قرآن العامة"، ورد على الشهرستاني في مصارعته ابن سينا بكتاب سماه مصارعة المصارع.
الشفاء
في العلوم الآلية
تشتمل على كتب المنطق، وما يلحق بها من كتب اللغة والشعر والعلوم والطب، ومن آثاره اللغوية.
في العلوم النظرية
تشتمل على كتب العلم الكلّي، والعلم الإلهي، والعلم الرياضي، والطب النفسي
في العلوم العملية
وتشتمل على كتب الأخلاق، وتدبير المنزل، وتدبير المدينة، والتشريع.
في العلوم الأصلية

فروع وتوابع، فالطب مثلاً من توابع العلم الطبيعي، والموسيقى وعلم الهيئة من فروع العلم الرياضي. كتب الطب أشهر كتب ابن سينا الطبية كتاب القانون في الطب الذي ترجم وطبع عدّة مرات: والذي ظل يُدرس في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر. ومن كتبه الطبية أيضاً كتاب الأدوية القلبية، وكتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية، وكتاب القولنج، ورسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب، ورسالة في تشريح الأعضاء، ورسالة في الفصد، ورسالة في الأغذية والأدوية. ولإبن سينا أراجيز طبية كثيرة منها: أرجوزة في التشريح، وأرجوزة المجربات في الطب والألفية الطبية المشهورة التي ترجمت وطبعت.
ولإبن سينا كتاب نفيس في الطب هو "القانون"، جمع فيه ما عرفه الطب القديم وما ابتكره هو من نظريات واكتشفه من أمراض، وقد جمع فيه أكثر من سبعمائة وستين عقارا مع أسماء النباتات التي يستحضر منها العقار. بحث ابن سينا في أمراض شتى أهمها السكتة الدماغية، التهاب السحايا والشلل العضوي، والشلل الناجم عن إصابة مركز في الدماغ، وعدوى السل الرئوي، وانتقال الأمراض التناسلية، والشذوذ في تصرفات الإنسان والجهاز الهضمي. وميز مغص الكلى من مغص المثانة وكيفية استخراج الحصاة منهما كما ميز التهاب البلورة (غشاء الرئة) والتهاب السحايا الحاد من التهاب السحايا الثانوي.
في الرياضيات
مختصر اقليدس
مختصر المجسطي
مختصر علم الهيئة
مختصر الارتماطيقي
رسالة الزاوية
رسالة في بيان علّة قيام الأرض في وسط السماء، طبعت في مجموع (جامع البدائع)، في القاهرة سنة 1917

في الطبيعيات وتوابعها
رسالة في إبطال أحكام النجوم
رسالة في الأجرام العلوية وأسباب البرق والرعد
رسالة في الفضاء
رسالة في النبات والحيوان
قانون الحركة الأول "الجسم الساكن يبقى ساكنا والجسم المتحرك يبقى متحركا ما لم تؤثر عليه قوة خارجية"والذي نسبه لنفسه اسحاق نيوتن.

في الطب


في لفتة إنسانية فإن ابن سينا لما نبغ في الطب قام بعلاج المرضى تأديا وبالمجَان، لا تكسُبا أو لجمع المال ؛ وذلك حبًّا للخير والاستفادة بالعلم، وقد واتته فرصة عظيمة عندما نجح في علاج الأمير نوح بن منصور وهو في السابعة عشرة من عمره، ذلك الأمر الذي عجز عنه مشاهير الأطباء، فنال بذلك شهرة عظيمة، كما جعل أمراء هذا البيت يُنعِمون عليه، ويفتحون له دور كتبهم؛ ليعبَّ منها علمًا غزيرًا لم يتوفر ولم يتحصَّل لغيره، وعمره لم يأتِ بعدُ الثامنة عشرة.

استطاع الشيخ الرئيس ابن سينا - بفضل ما منَّ به الله عليه من العقل والعلم وسعة الاطّلاع والولع الشديد بالمعرفة - أن يُقدم للإنسانية أعظم الخدمات والاكتشافات والابتكارات التي فاقت عصرها بالقياس إلى إمكانات ذلك العصر ومدى ما وصلت العلوم فيه آنذاك، وبالأخصِّ في جانب الطب ؛ فإليه يرجع الفضل في اكتشاف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن ؛ إذ إنه أول من كشف عن طفيلة (الإنكلستوما)، وسماها في كتابه (القانون في الطب) في الفصل الخامس الخاص بالديدان المعوية : الدودة المستديرة، ووصفها بالتفصيل لأول مرة، وتحدَّث عن أعراض المرض الذي تُسببه.
وعن هذا الفتح الكبير كتب الأستاذ الدكتور محمد خليل عبد الخالق مقالاً في مجلة الرسالة، جاء فيه: "... قد كان لي الشرف في عام (1921 م) أن قمت بفحص ما جاء في كتاب القانون في الطب، وتبيَّن لي أن الدودة المستديرة التي ذكرها ابن سينا هي ما نسميه الآن بالإنكلستوما، وقد أعاد (دوبيني) اكتشافها بإيطاليا عام (1838 م)، أي بعد اكتشاف ابن سينا لها بتسعمائة سنة تقريبًا، ولقد أخذ جميع المؤلفين في علم الطفيليات بهذا الرأي في المؤلفات الحديثة، كما أخذت به مؤسسة (روكلفر) الأمريكية التي تعني بجمع كل ما كُتِب عن هذا المرض... ولذلك كتبتُ هذا ليطلع عليه الناس، ويُضيفوا إلى اكتشافات ابن سينا العديدة هذا الاكتشاف العظيم لمرض هو أكثر الأمراض انتشارًا في العالم الآن".
ثم إنه تطرَّق إلى بعض أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيدًا عن القناة الهضمية ؛ مثل: ديدان العين، التي تُفَضِّل منطقة العين، وديدان الفلاريا المسبِّبَة لداء الفيل، فتراه يقول عن الأخير: "هو زيادة في القدم وسائر الرِّجْل على نحو ما يعرض في عروض الدوالي فيغلظ القدم ويكثفه".
كما أنه أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطب اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
وكان ابن سينا صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقَّم فيها! وابن سينا هو الذي أوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض، وكشف في دقَّة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكُلوية، يقول الدكتور خير الله في كتابه الطب العربي : "ويصعب علينا في هذا العصر أن نُضيف شيئًا جديدًا إلى وصف ابن سينا لأعراض حصى المثانة السريرية".

كما كان لابن سينا باع كبير في مجال الأمراض التناسلية ؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية. وتحدَّث عن الأمراض التي يمكن أن تُصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسبِّبه من أورام وحميات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبلُ. كما تعرَّض -أيضًا- للذكورة والأنوثة في الجنين, وعزاها إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أكَّده مؤخَّرًا العلم الحديث.


كما كشف ابن سينا -لأوَّل مرَّة أيضًا- طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: "إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض". وهو ما أكَده (فان ليوتهوك) في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخرُون من بعده، بعد اختراع المجهر.

ويُظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة؛ فقد ذكر عدَّة طرق لإيقاف النزيف؛ سواء بالربط، أو إدخال الفتائل، أو بالكي بالنار، أو بدواء كاوٍ، أو بضغط اللحم فوق العرق. كما تحدَّث عن كيفية التعامل مع السِّهام واستخراجها من الجروح، وحذَّر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح، كما نبَّه إلى ضرورة أن يكون المعالج على معرفة تامَّة بالتشريح.

وقد تُرجمت كتب ابن سينا في الطب إلى اللاتينية ومعظم لغات العالم، وظلَّت حوالي ستة قرون المرجع العالمي في الطب، واستُخدمت كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا جميعًا، وظلَّت تدرس في جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر.

كتاب القانون في الطب الذي ترجم وطبع عدّة مرات والذي ظل يُدرس في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر.
كتاب الأدوية القلبية
كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية
كتاب القولنج
رسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب
رسالة في تشريح الأعضاء
رسالة في الفصد
رسالة في الأغذية والأدوية
أراجيز طبية

أرجوزة في التشريح
أرجوزة المجربات في الطب
الألفية الطبية المشهورة التي ترجمت وطبعت
لإبن سينا باع في الشعر العربي وله ديوان منشور ويمكن الإطلاع على ديونه من هنا ديوان ابن سينا في بوابة الشعراء

في الموسيقى
مقالة جوامع علم الموسيقى
مقالة في الموسيقى
ومقالات أخرى

وفاته


أصاب جسده المرض واعتلّ، حتى قيل إنه كان يمرض أسبوعاً ويشفى أسبوعاً، وأكثر من تناول الأدوية، ولكنّ مرضه اشتدّ، وعلم أنه لا فائدة من العلاج، فأهمل نفسه وقال: "إن المدبر الذي في بدىء عجز عن تدبير بدني، فلا تنفعنّ المعالجة"، واغتسل وتاب، وتصدق بما لديه من مال للفقراء، وأعتق غلمانه طلباً للمغفرة. وبدأ بختم القران كل ثلاثة أيام. توفي في يونيو 1037 ميلادية، الموافق لشهر رمضان المبارك، في سن الثامنة والخمسين من عمره، ودفن في همدان إيران. لما توفي كان يُعد أحد عباقرة الفلسفة في الإسلام، وفي الطب وضع مصاف جالينوس حيث أطلق عليه لقب "جالينوس الإسلام"، وبسبب شهرته الواسعة فقد تسابق للإحتفال بذكره عدة شعوب، والأتراك هم أول من احتفلوا بذكراه، عندما أقاموا عام 1937 مهرجاناً ضخماً بمناسبة مرور تسعمئة سنة على ولادته، ثم حذا حذوهم العرب والفرس حيث أقيم مهرجان للإحتفال به في كل من بغداد عام 1952 وفي طهران 1954، وفي عام 1978 دعت منظمة اليونسكو كل أعضائها للمشاركة في احتفال احياء ذكرى مرور ألف عام على ولادة ابن سينا وذلك اعترافاً بمساهماته في مجالي الطب والفلسفة، وبالفعل فقد استجاب كل أعضاء المنظمة وشاركوا في الاحتفال الذي أقيم عام 1980 في دمشق. ألف ابن سينا 276 مؤلفا، كلها كتبت بالعربية باستثناء بضع مؤلفات صغيرة كتبها بلغته الأم الفارسية. إلا أنه وللأسف فقد فقدت أكثر هذه المؤلفات ولم تصل إلينا. ويوجد حاليا 68 مؤلفا منتشرا بين مكتبات الشرق والغرب.
ويكيبيديا
Reactions

تعليقات