تنازع علقمة التميمي المعروف بعلقمة الفحل هو وامرؤ القيس في الشعر، فقال كل منهما لصا حبه أنا أشعر منك.
فقال علقمة: قد حكمت بيني وبينك إمرأتك أم جندب، فقال: قد رضيت. فتحاكما إليها، فقالت: ليقل كل واحد منكما شعراً يصف فيه الخيل، على قافية واحدة.
فقال امرؤ القيس:
خليليَّ مرابي على أمِ جندبِ ... لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ
فقال علقمة:
ذهبت من الهجرانِ في غير مذهبِ ... ولم يكَ حقاً طولَ هذا التجنبِ
وأنشد كل واحد قصيدته. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك.
قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
فللسوطِ ألهوبٌ، وللساقِِِ درةٌ ... وللزجرِ فيه وقعُ أحرجَ مذهبِ
فجهدت في شكه بسوطك وزجرك، ومريته فأتعبته. وقال علقمة:
فردَّ على آثارهنَّ بحاصبٍ ... وغيبة شؤبوبٍ، من الشدَّ ملهبِ
فأدركهنَّ ثانياً من عنانهِ ... يمرُّ كمرّ الرائحِ المتحلبِ
فأدرك فرسه ثانياً من عنانه، لم يضربه بسوط، ولم يزجره بساقه، ولم يتعبه. فقال لها امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني، ولكنك له عاشقة. وطلقها، وخلف عليها علقمة."
أرادت أميمة الطائية وكنيتها أم جندب أي المرأة ممشوقة القوام العنقاء العطبول العروب، أي المتحببة بصفاتها الأنثوية التي يحبها الرجال، أرادت أن تقول لزوجها الشاعر امرئ القيس أن علقمة أكثر رأفة بالخيل فلم يلهبه ولم يزجره أي أنه أكثر لطفاً وتذللاً وتحنناً وبلغة اليوم "أكثر رقة وحنية" وهنا يجن جنون الأمير الشاعر امرئ القيس كيف حكمت لعلقمة الفحل وفضلت شعره قائلاً لها والله ماهو بأشعر مني ولكنك له عاشقه فالحقي به. ثم أتدرون متى وأين حدثت هذه الواقعة؟ وقعت في أحلك الظروف لامرئ القيس الكندي اليماني حين أخذ يتنقل بين قبائل نجد واليمن والعراق يطلب منهم النصرة والعون لاسترداد ملك أبيه فنزل على ديار بني طي وأقام عندهم أياماً تزوج فيها بأميمة بنت شيخ طي (أم جندب) فلم يبالِ بالنصرة ولم يهمه أن يضحي بأم جندب وبحق عودة الملك الزائل (مملكة كندة) انتصاراً لكرامته وغيرته، ثم أن امرأ القيس كان قد ضمن قصيدته المذكورة أبياتاً في حب أم جندب لم تلامس فؤادها إذ شعرت أن امرأ القيس إنما يتصنعها تصنعاً هل عرفتم لماذا؟
لأن امرأ القيس كان ولم يزل مسكوناً بحب إبنة عمه فاطمة التي ذكر اسمها في قصيدته الشهيرة
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسقط اللوى بين الدخول فحوملٍ
إذ يشير إليها بقوله
أفاطم مهلاً بعض هذا التدللِ
وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجملي
إذ لم تكن أم جندب سوى محطةٍ عابرةٍ لقيها امرؤُ القيس في مياه بني طي في طريقه إلى قبائل العرب يطلب منهم العون والثأر لأبيه الذي غدر به الأزديون الموالون للفرس، ولم تكن أم جندب سوى محطة استراحة للشاعر يداوي بها جراحه الغائرة ولو مؤقتاً حزناً على فراق ملك أبيه الذي غدر به (عملاء الفرس) وآسىً على ابنة عمه فاطمة التي لا يعلم عن مصيرها بعد شتات مملكة كندة في حضرموت، وربما رأى امرؤ القيس في أم جندب بقيةٍ من كأسٍ تنسيه ولو عبثاً ذكرياته مع العذارى ومع فاطمة بدارة جُلجُلِ.
تعليقات
إرسال تعليق