الآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية، فهو الآخر الذي ليس بعده شيء، الباقي بعد فناء الخَلْق، يبقى ببقائه، وما سواه يبقى بإبقائه، وشتان بين بقائه وبقاء مخلوقاته، كالجنة
والنار وما فيهما، فالجنة مخلوقة بقضائه وقدره وكائنة بأمره، وهي رهن مشيئته وحكمه؛ فمشيئة الله حاكمة على ما يبقى فيها وما لا يبقى، فالبقاء ليس من طبيعتها ولا من خصائصها الذاتية، بل من طبيعتها جميعها الفناء، والخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته، وإنّما هو بمدد دائم من الله تعالى، وإبقاء مستمر لا ينقطع.
أما ذاته سبحانه وتعالى وصفاته جلّ وعلا كوجهه وعزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته، حيث البقاء صفة ذاتية لله سبحانه وتعالى؛ لأنه الآخر الذي ليس بعده شيء.
والآخر سبحانه تنتهي إليه أمور الخلائق كلها إيجادا وإمدادا، وبقاءً والتجاءً، وقضاءً وتقديرا، فبيده سبحانه تصريف المقادير.
ومن معاني اسم الله الآخر أنّه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ).
ومن الدعاء باسمه الآخر ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهم أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل ومن عذاب القبر، ومن فتنة القبر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نقِّ قلبي من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب).
ومن آثار توحيد المسلم لله سبحانه وتعالى في اسمه الآخر أن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه، ولا مطلوب لك وراءه، فكما انتهت إليه الأواخر، وكان بعد كل آخر، فكذلك اجعل نهايتك إليه، فإن إلى ربك المنتهى، انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه طريق.
والذي وحد الله في اسمه الآخر يعود بافتقاره إلى ربه، ويجعل المرجعية في فعله إلى ما اختاره لعبده، لعلمه أنه سبحانه وتعالى مالك الإرادات وربّ القلوب والنيّات، يصرفها كيف شاء، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه، وما شاء أن يقيمه منها أقامه، فهو سبحانه الذي ابتدع الخلق بقدرته ابتداعا، وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه، والأمر كلّه له، والحكم كلّه له، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فسبحان من لا يوصل إليه إلا به، ولا يطاع إلا بمشيئته، ولا ينال ما عنده من الكرامة إلا بطاعته، ولا سبيل إلى طاعته إلا بتوفيقه ومعونته، فعاد الأمر كله إليه، كما ابتدأ الأمر كله منه، فهو سبحانه الأول والآخر.
تعليقات
إرسال تعليق