هو الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدّق رسله بكل آيةٍ وبرهانٍ يدل على صدقهم وصحة ما جاؤوا به.
والإيمان في اللغة هو التصديق، ويقال آمنه من الأمان ضد الخوف، والله يعطي الأمان لمَن استجار به واستعان، الله المؤمن الذي وحّد نفسه بقوله (شهد الله أنه لا اله إلا هو)، وهو الذي يؤمن أولياءه من عذابه، ويؤمن عباده من ظلمه، هو خالق الطمأنينة في القلوب، وخالق أسباب الخوف وأسباب الأمان جميعا وكونه تعالى مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا، كما أن كونه مذلا لا يمنع كونه معزا، فكذلك هو المؤمن المخوف، إن اسم (المؤمن) قد جاء منسوبا إلى الله تبارك وتعالى في القرآن مرة واحدة في سورة الحشر في قوله تعالى (هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون).
والمؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان، وأصله أمن يأمن أمنا، والأمن ما يقابل الخوف، والإيمان في حقّنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا، رُوي أن وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ لهم: (أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ).
أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال:
القول الأول: أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه، وأمَّن من آمن به من عذابه، فكل سينال ما يستحق، قال تعالى:"إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما" [النساء:40].
القول الثاني: أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره، كما قال تعالى:"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" [الملك:28]، أي لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا، ورُوي أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلةِ وَالذلةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ).
القول الثالث: أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه، لأنه الواحد الذي وحد نفسه فقال:"شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ"[آل عمران:18].
القول الرابع: أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم، قال تعالى: " قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"[آل عمران:95]، وقال: " ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ"[الأنبياء:9]،
فالمؤمن سبحانه هو الذي أمن الناس ألا يظلم أحدا منهم، وأمن مَن آمن به من عذابه، وهو المجير الذي يجير المظلوم ويؤمنه من الظالم، وهو الذي يصدق المؤمنين ويشهد لهم إذا وحدوه، وهو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه.
ومن الدعاء بمقتضى اسمه المؤمن ما ور في قول الله تعالى:" رَبَّنا آمنا بِما أنزَلت وَاتبَعْنا الرَّسول فاكْتبنا مع الشاهِدِين" [آل عمران:53]، وقوله تعالى:"رَبَّنا آمنا فاغفِر لنا وَارحَمْنا وَأنت خَيْرُ الرَّاحِمين" [المؤمنون:109] .
ورُوي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم إني أسْألكَ النعِيم يَوم العِيْلةِ، وَالأمْن يَوم الخَوفِ، اللهم إني عائِذ بِكَ من شرِّ ما أعْطَيْتنا وَشرِّ ما منعْت، اللهم حَبِّب إليْنا الإيمان وَزَيِّنهُ في قلوبِنا، وَكَرِّهْ إليْنا الكُفرَ وَالفُسوق وَالعِصْيَان وَاجْعلنا من الرَّاشِدِين، اللهم توَفنا مسْلِمين وَأحيِنا مسْلِمين وَألحِقنا بِالصَّالِحِين غيْرَ خَزَايَا وَلاَ مفتونِين، اللهم قاتلِ الكَفرَةَ الذين يُكَذبون رُسلكَ وَيَصُدُّون عن سَبِيلِكَ، وَاجْعل عليْهِمْ رَجْزَكَ وَعذَابَكَ، اللهم قاتلِ الكَفرَةَ الذين أوتوا الكِتابَ إلهَ الحَق).
ومن آثار توحيد المسلم لله في اسمه المؤمن ثقته أن الأمن والأمان والراحة والاطمئنان مرجعها إليه الإيمان به، ويقينه أن ربه سينصر المظلوم ولو بعد حين، فيلجأ إليه معتمدا عليه مستغيثا به مفتقرا إليه أن يجيره من ظلم الظالمين وكيد الحاقدين، فوعد الله لعباده المؤمنين كائن لا محالة.
تعليقات
إرسال تعليق