يقال أن أناساً خرجوا في سفر ومعهم دليل -أي رجل صاحب دلالة في الصحراء- اسمه ابن سهم الخشب وضل الدليل الطريق فقال لمن معه: " باللات والعُزى ومناة الثالثة الأخرى، قِفوا !
نحن على حافة وادي عبقر! " وأشار إلى بطن الوادي، نحو كثبان رمل مقمرة وناعمة، وإذا بكائن، على هيئة إنسان، يسوق ظليماً " ذكر نعام " مربوطاً من خطمه بحبلة من الكتّان. كان مُقبلاً من عمق الوادي، فاستوحشنا منه، وحتى الإبل بدأت ترغي وتتراجع بنا إلى الوراء. ومرق قريباً منا.
كان أطول من الناقة، ورأينا ظهره عارياً، وفيه نمش أخضر، مثل طحالب تتشعّب على سطح ماء آسن، فارتعبنا. وقف بعيداً عنا، وتلفّت نحونا، وحدّق فينا مدة جعلت فرائصنا تنتفض، ثمَّ قال للدليل: " يا ابن سهم الخشب: من أشعر العرب؟
" كان الدليل خائفاً فلم يُجب. فأكمل : أشعرهم من قال: وما ذرفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي بعينيكِ في أعشارِ قلبِ مقتـلِ فعرفنا أنّه يقصد امرؤ القيس.
فقال الدليل: " باللاّت والعُزّى ومناة الثالثة الأُخرى، مَنْ أنت؟
ورجع إلى الوراء حتى كاد يقع.
فقال : " أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر !
ومضى، مقهقهاً. وقف دليل القافلة مذهولاً، وحدّق فيه حتى اختفى.
قُلنا له : "فما تقول في هذا؟"
فقال : " هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرئ القيس الذي يُملي عليه الشعر.
تعليقات
إرسال تعليق