البوعزيزي كان فقط يدافع عن حقه الشخصي في العيش وتحصيل الرزق.. لم يكن يطمح لأكثر من موقع صغير يركن فيه عربة الخضار.. ولكنه ببساطة ظهر في الظرف
المناسب لبدء ثورة كانت إرهاصاتها قد بدأت بالفعل واشعلت خمس ثورات عربية متتابعة.
في أمريكا أشعلت ربة بيت سوداء تدعى روزا باركز حركة الحقوق المدنية حين رفضت إعطاء مقعدها لرجل أبيض.. ففي ديسمبر 1955 كانت عائدة لمنزلها في مدينة مونتاجومري وجلست في مقدمة الباص مخالفة بذلك نظام ولاية ألباما القاضي بجلوس السود في مؤخرة الباصات العامة. ورغم أن سائق الباص تغاضى عن تصرفها في البداية إلا أنه طلب منها التوجة لمؤخرة الباص بعد أن أصر رجل أبيض على انتزاع المقعد منها.. وحين رفضت الانصياع دخلوا معها في عراك وطردوها خارج الباص الأمر الذي تسبب بثورة السود وقيام مظاهرات في كامل أمريكا - انتهت بنيل السود لحقوق مدنية مساوية للبيض.
حين سقط جدار برلين في نوفمبر1989 حدث ذلك بفضل رجل مجهول الهوية - من ألمانيا الشرقية - حمل معوله وبدأ بتكسير الجدار.. ورغم الحراسة المشددة (وامتلاك الجنود الإذن بإطلاق النار على من يحاول الهرب لألمانيا الغربية) إلا أن شجاعة الرجل شلت الجنود وشجعت بقية الموطنين على التوافد والمشاركة معه في هدم الجدار.. وبسقوط جدار برلين انهارت الأنظمة الشيوعية في ألمانيا الشرقية وتشيكيا وبولندا وهنجاريا ورومانيا.
ثورة رومانيا (في 1990) ضد نيكولاي تشاوشيسكو قامت لسبب لم يتوقعه أحد.. فقد كانت الشرطة السرية تطارد مواطناً هرب ودخل منزل أحد القساوسة في مدينة تيميشوارا.. وحين رفض القس تسليمه للشرطة أطلقت وابلا من الرصاص على المنزل وقتلت من فيه. وبسرعة عم الغضب وخرج الناس للشوارع فلم تتردد الشرطة في إطلاق النار عليهم فانتشرت المظاهرات في كامل المدن الرومانية. وحين ظهر تشاوشيسكو لتهدئة الجماهير في بوخاريست بدأت أصوات الناس بالتعالي حتى أصبحت تهتف بإسقاطه والقصاص منه.. وهكذا انتهت الثورة بالتخلص من الدكتاتور ولكن لا أحد اليوم يتذكر القس الشجاع الذي رفض تسليم المواطن المذعور للشرطة.
في درعا جنوب سوريا قام مجموعة من التلاميذ بكتابة الهتافات الشهيرة والتي رأوها على القنوات الفضائية على جدار مدرستهم مثل “الشعب يريد إسقاط النظام” و”إجاك الدور يا دكتور” و”ارحل”.
وفي اللمسة الأخيرة لعملهم الشجاع والساذج قام كل منهم بالتوقيع باسمه على كل عبارة. وفوجئ الأولاد وعائلاتهم، عندما تم حجزهم من قبل السلطات لأكثر من شهر.
وكانت هذه الحادثة الشرارة التي أشعلت الثورة السورية ضد النظام الحاكم.
تعليقات
إرسال تعليق