مجدي ممدوح - عندما يقترب الإنسان من الموت بسب عارض صحي خطير فإنه يمر
بتجربة فريدة، إذ يبدأ بالانسلاخ من جسده حتى يصبح خارج الجسد، أي يصبح الوعي والإدراك في مكان والجسد في مكان آخر، ويصبح الشخص في وضع الناظر إلى جسده ويرتفع إلى أعلى وكأنه يطفو. هنا ينقسم الشخص إلى رائي ومرئي.
لقد بقيت هذه الظاهرة غير معروفة لسبب بسيط؛ أن الذين يقتربون من الموت يموتون فعلاً حاملين معهم سر هذه الظاهرة، فكما نعلم أن الموت رحلة باتجاه واحد، فالموتى يرحلون عن عالمنا بلا عودة حاملين معهم أسرار هذه الظاهرة التي تُدفن معهم.
لكن مع تقدم العلوم الطبية أصبح بإمكان أشخاص يقتربون من الموت، أن يعودوا للحياة بفضل المعالجات الطبية السريعة مثل التنفس الصناعي والإفاقة القلبية والصدمة الكهربائية، وهكذا بدأ بعض هؤلاء برواية أسرار هذه الظاهرة المحيرة. تقول إحدى المريضات: بعد أن ساءت حالتي الصحية رأيت أنني قد خرجت من جسدي وارتفعت إلى سقف الغرفة أنظر من أعلى إلى جسدي، لقد أحسست أنني لم أعد ابالي بهذا الجسد وأين سأتركه، إن الأمر أشبه بأن تترك وراءك معطفا بالياً .
أجريت بحوث كثيرة على هذه الظاهرة، وكان الأشخاص الذي توقفت قلوبهم أثناء العمليات ثم أجريت لهم الصدمة الكهربائية وعادوا للحياة فرصة نادرة لدراسة هذه الظاهرة.. هؤلاء الأشخاص قد ماتوا فعلا ثم عادوا للحياة.
قام العالم الأميركي مايكل سابوم بدراسة موسعة على هؤلاء الأشخاص، لقد استطاع الكثير من هؤلاء المرضى إعطاء تفاصيل كاملة عن كل عمليات الإفاقة التي أجريت عليهم أثناء توقف قلوبهم، لقد كانوا ينظرون من الأعلى، والتفاصيل التي تم توثيقها لا يمكن أن يشاهدها سوى شخص ينظر من الأعلى، يعلق سابوم: هذا غير قابل للتصديق، لقد كانوا ميتين فعلا خلال هذه الفترة القصيرة، فكيف استطاعوا مشاهدة كل هذه التفاصيل؟ .
وضعت الكثير من الفرضيات والنظريات لتفسير هذه الظاهرة الصادمة للعقل والمنطق، وأهمها بالطبع فرضية الجسم الأثيري التي يتبناها علم الباراسيكولوجي منذ عشرات السنين، وتتلخص هذه الفرضية في أن كل إنسان يمتلك بالإضافة إلى جسده المادي جسما أثيريا شفافا يلازمه أثناء الحياة وينفصل عنه في حالات معينة انفصالا مؤقتا، ولكنه ينفصل انفصالا دائما نهائيا لا رجعة فيه لحظة الموت. عندما يتعرض الإنسان إلى غيبوبة أو عارض صحي خطير فإن الجسم الأثيري ينفصل انفصالا مؤقتا أثناء هذه الفترة ثم يعود إليه بعد تجاوز الأزمة ليفيق الإنسان ويعود مجددا للحياة. الانفصال المؤقت هو الوفاة والانفصال الدائم هو الموت، ولقد اكتشف دارسو اللغة واللسانيات العرب أن النص القرآني يفرق بوضوح بين مصطلح الموت ومصطلح الوفاة وفق الرؤية السابقة.
فرضية الجسم الأثيري تشبه أو تتطابق مع مفهوم الروح أو النفس الذي جرى توارثه عن الأديان منذ آلاف السنين، وفي كل هذه الفرضيات فإن هناك كيانا غير مادي يساكن الإنسان أثناء الحياة ويفارقه مع سكرات الموت.
وإذا كان هذا الجسم الأثيري كيانا واعيا ، فإن هذا الفرض يتجاوز كل الخطوط الحمراء التي يضعها لنا العقل، ويدخلنا في دائرة الميتافيزيقا التي غرق فيها الفكر الإنساني لآلاف السنين دون طائل، وإذا ما رفضنا فرضية الجسم الأثيري هذه ومثيلاتها من النفس أو الروح فإننا نعود بذلك إلى نقطة الصفر، وربما تقودنا إلى نظرة مادية ساذجة وهي أن الإنسان مساو لجسده، وأن العقل مساو للدماغ، ولا نظن أننا نقع في هذا الفخ بعد رحلة الفلسفة الطويلة التي ارتقت بالفكر الإنساني وخلصته من هذه النظرة الضيقة.
في وضع كهذا نرانا مضطرين للإبقاء على فرضية الجسم الأثيري، فنحن لا نريد هدم البيت بأكمله، ولكن لا بأس ببعض الإصلاح، وكما أسلفنا فإننا لا نستطيع الاعتراف بوجود كيانات غير مادية عاقلة، وبدلا من ذلك فإننا سنقترح أن هذا الجسم الأثيري مادي، لكنه يتشكل من مادة خفيفة جدا وتعمل في ذبذبة عالية جدا بحيث أننا لا نتمكن من مشاهدتها أو رصدها، وهذا بالطبع ليس كلاما خرافيا، فهناك ما يناظره في علم الفيزياء، حيث أننا لا نستطيع سماع الأصوات ذات الذبذبات العالية مع أنها موجودة حولنا وكذلك الإشعاعات عالية الذبذبة لأن حواسنا غير مهيأة لاستقبالها، وهكذا نقترح أن يكون الجسم الأثيري ماديا، ولكنه يمتلك خواص فيزيائية فريدة لا يمتلكها الجسم العادي، مما يعطيه هذه الخواص والمزايا التي نعرفها عنه، مثل قدرته على اجتياز حواجز المكان من دون عوائق كما هو موثق في بعض الظواهر الباراسيكولوجية.
الفروض السابقة، ومع أنها لا ترتقي لبناء نظرية متماسكة لتفسير طيف واسع من الظواهر الإنسانية، تبقى أكثر معقولية من افتراض كيانات عير مادية مزعومة لم ولن نكون قادرين على التثبت منها مهما تقدم بنا العلم والمعرفة.
وأخيراً، فإن ظاهرة الخروج من الجسد لم تعد تقتصر على فئة الذين يقتربون من الموت، فلقد ظهر موهوبون تم اختبارهم تحت ظروف علمية صارمة، حيث كان بإمكانهم الانسلاخ من أجسادهم ومغادرتها ورؤية أحداث في أمكنة أخرى بعيدة عن وجود أجسادهم بالفعل، حتى إن إحدى الموهوبات أصبحت تستعين بموهبة الخروج من الجسد لقضاء أعمالها اليومية، تقول: عندما أكون مستلقية في الفراش وسمع طرق الباب الخارجي فإنني أخرج من جسدي وأرى الطارق بجسمي الأثيري، وإذا قررت فتح الباب فإنني أعود وأصطحب جسدي وأفتح الباب .
تعليقات
إرسال تعليق