إسراء الردايدة- هل تتعامل مع نفسك كما يتعامل الآخرون معها، أي بمعنى هل تعامل ذاتك كما يجب، هل تمنحها هذه الشفقة والاهتمام واللطف، فهي كلها أمور حيوية من أجل الاستمتاع بحياة مرفهة والرضا عنها.
فالتعامل مع الذات برأفة ورحمة أكثر، أهم من احترام الذات بحسب الاختصاصية في مجال تنمية القدرات والذات د. كريسيتين نيف ومؤلفة كتابSelf-Compassion: Stop Beating Yourself Up and Leave Insecurity Behind، إذ إن احترام الذات يعتمد على مشاعر التفوق أو الإنجاز بينما الرحمة والرأفة بالذات تنبع من الحكم الذاتي للفرد على نفسه. فحين تقارن نفسك بالآخرين وتتفوق عليهم، فإن تقديرك لذاتك يرتفع، ولكن حين تفشل تشعر بأنك بنفس المستوى وبدون المستوى حتى.
إلا أن التعاطف مع الذات والرأفة بها من جهة أخرى، بحسب نيف، لا يعتمد على الشعور الخاص، وإنما يعتمد على القدرة في التعامل مع الذات على أساس أنها كائن بشري تستحق الحب والتقدير والرعاية، وبكلمات أخرى كل ما تتطلبه هو ممارسة الرأفة والرحمة معها كما تتصرف مع صديق مقرب منك.
وعند هذه النقطة يمكنك تمييز صوت القسوة والنقد الخشن الداخلي أو حتى ذلك الصوت الذي يخبرك بكسلك وحتى يعبر عن مدى الانزعاج من ذاتك ووزنك الزائد والحاجة لضبط أمورك وأي أمر تسمعه داخلك، كما تقول نيف.
وتضيف أن هذا لا يعني أنه بالضرورة أمر جيد، ومن الخطأ التفكير أن صوتا يدفعك لتحسين أمورك، مبينة أنه تم تلقيننا منذ الصغر وتعلمنا أنه لا بد من القسوة على أنفسنا من أجل الاستمرار ولو كانت الحقيقة عكس ذلك.
فنحن حين نقوم بمهاجمة أنفسنا، فإننا بالحقيقة نصعب حقيقة تحقيق وإنجاز أي أمر، والنجاح فيه بحسب نيف، وهذا مرتبط بأن النقد الذاتي للنفس يطلق هرمون التوت الكورتيزول، مما يدخلنا في حالة من القلق وهو أشبه بتهديد للجسد وردة الفعل المشتركة للضغط المستمر التي تفرض نفسها هي الاكتئاب مما يقتل أي دافع ايجابي.
وهنا يتفعل دور الحاجة للرحمة مع الذات والرأفة بها، فحين تشعر بالاطمئنان بأن الفشل ليس نهاية الكون وأنك في موقف للمحاولة أكثر لتحقيق غايتك، بحسب نيف التي تشير إلى أن الأفراد الذين يتعاملون مع أنفسهم بشكل أكثر رحمة وحنانا، هم الأكثر حيوية ولديهم قوة اندفاعية في التقاط أنفسهم ولملمتها والمتابعة من جديد مقارنة مع غيرهم من الذين يقسون على ذاتهم.
ولحسن الحظ، فإن معاملة الذات والنفس على أنها صديق حميم أمر أسهل مما يبدو، بحسب نيف مقدمة بعض النصائح لدمج آلية العطف والرحمة مع الذات في الحياة اليومية ومن هذه الأمور:
- اسمح لنفسك أن تشعر بالسوء: فالشعور بالعاطفة والرحمة يعني تمييز العواطف السلبية وبقدر ما هو الأمر متعب وممل، إلا أنه جزء من طبيعتنا كبشر، وهذا يعني أن نسمح لأنفسنا بالشعور بها.
فإن كنت تريد أن تكون آمنا، فلا بد من أن تسمح لنفسك بأن تشعر بردات فعل طبيعية، حتى وإن وصل الأمر إلى أن تؤنبها قليلا، أو أن تضرب الوسادة لتفريغ العصبية.
وتبين نيف أن التعاطف مع الذات والرفق بها لا يعني الانغماس بالشفقة على النفس، ولكنه يعني وبشكل دائم أن تحافظ على الاهتمام الواضح بما تريده بها، وهذا بالتأكيد لا يعني أن تحبس نفسك لاسبوع وتنقطع عن العالم، بل قدر أن هذه اللحظة ستزول.
- توقف عن الشعور بالأسى نحو نفسك: أي التوقف عن انتقادها بشكل حاد، وعاملها كما تعامل صديقك، فمثلا حين تقول لنفسك "توقف عن التصرف، أو أنت دائما تفشل، لما انت فاشل لهذه الدرجة"؟ وهي أمور لن تقولها لصديقك فيما تردده على مسمع من نفسك.
وبدلا من هذا تنصح نيف بالتساؤل لِمَ تتردد هذه الأمور وتقسو على نفسك، وفي المرة المقبلة التي تريد أن تحكم فيها على ذاتك بشكل قاس، تذكر أن انتقادك لنفسك، الهدف منه هو تحسين الوضع وليس الإساءة أبدا، ولكن لسوء الحظ لا يتحسن الأمر بهذه الطريقة، لذا لا تشعر بالاستسلام بمجرد ذكر أفكار سلبية.
- عالج نفسك بنفسك، فحالة الفشل ليست بالوقت المناسب لتعاقب نفسك عليها:كما تقول نيف، بل حاول بنهج معاكس أن تعطي نفسك فرصة للراحة مثل حمام مريح من أجل منحها الاندفاع، والتقليل من الخوف من الفشل، والشعور بالسوء والرثاء والشفقة، وهذا ينعكس ايجابا على الاقبال على مخاطر أكبر بقوة وثقة.
وتوضح نيف أنه حين يشعر الفرد بالأمان برغم الفشل سيقل الخوف من الوقوع فيه، وتكون نسبة النجاح أكبر، وهذا يعني أن الذات قادرة على نفض الغبار عنها والمحاولة من جديد.
- طور بادرة لتشجيع ذاتك: وهي موجودة في كافة الثدييات بحسب د. نيف، ومبدأ هذه المبادرة هي استجابة للرقة أو اللمسة الحنونة وكأنك تعانق نفسك أو تربت على كتفك، إذ تعمل على تخفيف إفراز هرمون التوتر الكورتيزول، والهدف هو تهدئة الجسد، علما أنه يمكن لكل فرد اختيار أي حركة يريدها تشعره بهذه الرقة إزاء ذاته.
تعليقات
إرسال تعليق