تتضمن الأمبريقية اكتساب المعرفة من خلال الملاحظة- أي أن نتعرف على الأشياء والظواهر من خلال تجربتنا بواسطة حواسنا.
وهذه التقنية هي قديمة منذ قدم الحضارة. فبالنسبة للأمبريقي لا يكفي أن نتعرف على الأشياء والظواهر ونفهمها من خلال الفكر (أو التشبث، أو الحدس، أو السلطة) فقط. بل من الضروري أن نختبر العالم- أي أن نرى، أن نسمع، أن نلمس، وأن نشم. فشعار الأمبريقي هو: أنا لا أؤمن بذلك إلا حينما أرى ذلك!". ولقد بنى كل من طاليس، وأبيقراط، وغالن، وكوبرنيكوس وغاليليو، وداروين استنتاجاتهم حول الطبيعة، إلى حد كبير، من خلال ملاحظاتهم. فلقد رفضوا المفاهيم غير الأمبريقية، المعززة دينيا، التي كانت شائعة في عصرهم متجاوبة مع السلطة والعقلانية. إن الأمبريقي الجيد هو الذي يقرر، حين يرى تلبد الغيوم في السماء ووميض البرق ويسمع صوت الرعد، أن يأخذ معه، عند خروجه من منزله، مظلة. فحواسه هي التي تشير إليه وتقوده إلى العمل الصائب.
إلا أن الأمبريقية كتقنية وحيدة، نعتمدها للتوصل إلى المعرفة الحقيقية، هي غير كافية، ولها حدودها. كما أنها قد تؤدي بنا إلى استنتاجات خاطئة وأحيانا خطرة. تتمحور المشكلة، هنا، حول ما يسمى بالأمبريقية البسيطة مقابل الأمبريقية المتطورة. وعبارة "أنا لا أؤمن بذلك إلا حينما أرى ذلك إ" تعثر عن المقاربة الأمبريقية البسيطة التي تؤذي إلى أخطاء ومشاكل عديدة. ففي حال لم يتسنى لي رؤية القاهرة أو القدس فهذا لا يعني أن هاتين المدينتين هما غير موجودتين! ولأنني لم أر في حياتي الجاذبية أو فيروس الحصبة، هل هذا يخولني أن أستنتج بأنني لا أقع أبدأ على الأرض، كما أنني سوف لا أصاب بالحصبة؟
إن هكذا تساؤلات تجيب عليها وتتخطاها الأمبريقية المتطورة. فليس باستطاعتنا رؤية الجاذبية أو الحرارة، أو، من دون أية مساعدة بصرية، رؤية فيروس الحصبة. ولكن باستطاعتنا قياس ارتفاع الحرارة كلما رقعنا الحرارة في مصدر لها، أو، وأيضا، قياس سرعة سقوط جسم ما، كما أنه باستطاعتنا رؤية الفيروس من خلال المجهر. ولا تتحدد الملاحظات الأمبريقية بالأدوات والوسائل المساعدة في الملاحظة فقط، بل باستطاعتنا أيضا ملاحظة الظواهر، بشكل غير مباشر، من خلال فلاحظتنا المباشرة لتأثيراتها على أشياء وظواهر أخرى (مثلا: تأثير الجاذبية على سقوط الأجسام).
وفي حال انحصر نشاط العلماء في تجميع الوقائع فقط، فهنا كل ما نستطيع التوصل إليه هو لائحة حول هذه الوقائع. فليس باستطاعتنا، عندئذ، معرفة كيفية ترابط الوقائع وعلاقتها ببعضها بعضا، وماذا يمكن أن يكون معناها. فللوقائع والظواهر الملاحظة فائدة كبيرة للكائن البشري حينما يعتمد هذا الأخير في ملاحظته وتنظيمه لها على ذكائه واستدلالاته، مستنتجا من خلالها المعاني التي تساعده في تنبؤاته حول مسار المظاهر الكونية التي تحيط به. وبعبارات أخرى، على الأمبريقية أن تتدامج مع العقلانية، مع التفكير المنطقي، بشكل يدعم كل منهما الآخر.
تعليقات
إرسال تعليق