(المسرح فارغ، زقاق تحصره في الخلف بيوت بائسة يتراكم عليها القدم والأوساخ. جلبة
بعيدة وراء المسرح. ولولة. امرأة تصرخ . أقدام تتراكض.
يستمر هذا الجو الثقيل فترة.
يعبر الزقاق رجل مسرع الخطى، متجهم الوجه).
الرجل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (فترة) لا حول ولا قوة الا بالله العلي ال..
(ويختفي في الجهة الثانية من الزقاق.. تسود الضجة المتناهية من اليمين وراء البيوت. ولولة
نساء وأصوات ومختلف العبارات التي تنتشر من أفواه الناس أوقات المصائب. يتميز عويل
امرأة. ثم يبدأ كل شيء بالخفوت متحولاً إلى همهمة بعيدة تظل مسيطرة على المشهد حتى
نهايته.. من اليسار يظهر رجل يعبر الزقاق بخطوات عجلى. يلتقي به رجل آخر يأتي من
الجهة التي كانت تتناهى منها الضجة. وجهه مغموم، وخطاه ثقيلة)
الرجل 1( : مستوقفاً الآخر) واذن فالخبر صحيح!
الرجل 2 : يا ويل أمه. ميتة لا يشتهيها المرء لعدوه.
الرجل 1 : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. وأين حدث ذلك؟
الرجل : 2 قرب دكان أحمد عزت. هناك لا يخلو الزقاق أبداً من الأولاد.
الرجل 1 : كنت موجوداً؟
(يدخل رجلان آخران وهما يتحدثان. جميع الذين يدخلون انما يأتون من الجهة التي يتناهى
منها الضجيج).
الرجل 2 : جئت تماماً بعد وقوعه. سمعت صراخاً يذبح القلب فركشت أسأل عن الخبر. يا
ويل أمه!
الرجل 3 : (يتضح صوته) منظر يفتت الكبد. رأيته بعيني يصير عجيناً من لحم ودم. داس
على صدره، بل في أسفل الصدر. رأيت بعيني كيف انبعج بطنه واختلطت أحشاؤه بتراب
الزقاق.
الرجل 4 : يا لطيف..
الرجل 2 : أستغفر الله العظيم.
(كل الذين يدخلون، ينضم بعضهم إلى بعض، ويتجمعون في الزقاق).
الرجل 3 : أقسم أنه لم يبق لجسمه شكل. كتلة معموسة من اللحم والدم. اللهم أبعد عنا البلى.
يدور رأسي كلما تصورت منظره، لملموه من الزقاق كما تلم البيضة المكسورة.
الرجل 2: يا ويل أمه!
الرجل 3 : أرأيتم إلى البيضة حين تسقط على الأرض؟ والله هكذا كان جسمه. كمية من الدم
والأمعاء متناثرة على أرض الزقاق.
(يدخل رجل خامس)
الرجل 4 : ماذا تنتظر؟ طفل لين العود يدوسه فيل ضخم كفيل الملك. يا لطيف..
الرجل 5 : (منضماً إليهم) هذا الفيل!
(من الهمهمة البعيدة ينبثق عويل امرأة مفجوعة، ثم يتلاشى.)
الرجل 1: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الرجل 3 : (متابعاً روايته) أول الأمر لم نعرفه. بدأ الناس يجتمعون وقلوبهم تكاد أن تتوقف
من شدة الخوف. كل واحد يفكر بابنه. جميع أولاد الحارة كانوا في الزقاق يلعبون.
الرجل 4 : واختارت المصيبة بيت محمد الفهد دون سائر البيوت.
الرجل 2: اللهم ألهم قلبه الصبر وقوة الاحتمال.
الرجل 1: وسط الزقاق، وأمام أعين الرجال، كيف يعقل ذلك!
الرجل 4: أتسأل!
الرجل 5: هذا الفيل!
الرجل 3: كان الأولاد يلعبون في الزقاق حين دخل عليهم الفيل. شخر شخيره المعتاد، وأسرع
الخطى لا مباليا بشيء. خاف الأولاد، وجروا هاربين. الا أن ابن محمد الفهد تعّثر وارتمى.
ولشدة رعبه لم يستطع النهوض من عثرته، فأدركه الفيل وداس فوقه.
(تدخل امرأتان ومعهما طفلة صغيرة تمسكها أمها من يدها. الدموع بادية في عيون المرأتين.)
الرجل 1: أستغفر الله .. أستغفر الله..
المرأة 1: يا حسرتي ..بكاؤها يم زق الفؤاد.
الرجل 2: الطفل صار حطاما، والفيل تابع سيره غير مكترث بشيء.
المرأة 2: (صوت باك) الله يساعدها. تبدو كالمجنونة .
الرجل 5: أما الناس فقد س مرهم الخوف. لم يتجرأ أحد على الاقتراب حتى اختفى بعيداً عن
الزقاق.
(تنضم المرأتان والطفلة إلى الرجال. شيئاً فشيئاً يتشكل اجتماع شعبي)
الرجل 3) :متنهداً) تعرفون طبعاً.
الرجلان 2و 4: (معاً) نعرف يا سيدي نعرف.
الرجل 3: فيل الملك.
الرجل 5 والمرأة 2: (بصوت واحد تقريبا) آه.. هذا الفيل ..
(فترة تتراءى فيها الرهبة والجزع)
الطفلة: أمي.. ولماذا داسه الفيل؟..
المرأة 1: من يعرف يا ابنتي.! نصيبه.
المرأة 1: أجارنا الله. أجارنا الله. تأتي الأم لتنادي ابنها فتل م جثته من الطريق.
الرجل 2: مصيبة تنه د لها الجبال.
الطفلة: ألن يعاقبوه!
المرأة 1: يعاقبون من؟
الطفلة: الفيل..
(الجميع يهزون رؤوسهم)
الرجلان 4و 5: (بيأس) يعاقبونه!
الرجل 2: ومن يستطيع أن يعاقب فيل الملك!
(تدخل امرأة عجوز وهي تولول بصوت حاد، وتضرب بقبضتها على صدرها)(
المرأة 3: آه.. يا ويلي.. يا ويلنا جميعا.. لا أمان على طفل ولو وضعته أمه في بؤبؤ العين.
المرأة 2: ومن أين الأمان بعد الآن!
المرأة 1: الأطفال يداسون في الطرقات.
المرأة 3: ولا أحد يجرؤ على الكلام...
الرجلان 3و 5 :الكلام!
المرأة 2: لا أمان على رزق أو حياة.
المرأة 3: ولا أحد يجرؤ على الكلام.
الرجلان 3و 5: الكلام!
الرجل 4: بدأت النسوة تخ رف.
الرجل 2: (يهز رأسه) كأن الكلام سهل.
الرجل 4: لا تعرف ما تقول.
الرجل 3: هذا فيل الملك يا امرأة.
(يدخل رجل سادس، وينضم إلى الآخرين)
المرأتان 1و 2: (معاً، بصوت فارغ) نعم.. فيل الملك.
الرجل 6: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سيدفنونه بلا غسل.
المرأة 3: (مولولة) ياضناي..
الرجل 3: وهل بقي منه ما يغسل!
الرجل 4 :يا سيدي. طفل كهذا لا يخشى على طهارته .
الرجل 5: المهم طهارة الروح لا الجسد.
المرأة 1: كقطفة الياسمين. لم يتجاوز السابعة من عمره.
المرأة 1: ولم يبصر من الدنيا شياً.
المرأة 3: (تعلو ولولتها) آه.. يا لوعة الأمهات.
الطفلة :أمي.. سيحملونه في النعش مثل عمتي.
المرأة 1: حماك الله من كل شر. ما ذ ّ كرك بها الآن!
(يدخل عدد آخر من الرجال والنساء، ويتسع الاجتماع)
الطفلة: ولكن النعش كبير.
الرجل 5: يا حسرتي.. النعش للكبار والصغار على السواء...
المرأة 3: (تعلو ولولتها) لا أمان. لا أمان على شيء.
الرجل 3: كفى ولولة يا امرأة.
الرجل 7: على مد عمري رأيت كثيراً من الفيلة، لكل ملك فيله، ولكن حتى الان لم أر كهذا
الفيل شراً وغطرسة.
الرجل 8: لا يمر يوم دون أن نرى لوناً من أذاه.
الرجل 3 :احذروا..
الرجلان 4و 5: انه فيل الملك.
الرجل 9: والملك يجب فيله كثيرا.
المرأة 3: (من خلال نحيبها) ونحن.. ألا نحب أولادنا!
المرأة 4: ليخطفني الموت قبل أن يصيب واحداً منهم مكروه.
الطفلة: ولماذا يحب الملك فيلا مؤذياً يا أمي؟.
المرأة 1: من يعرف يا ابنتي!
الرجل 8: يا الله.. من أين جاءتنا هذه المصيبة!
الرجل 9: المصائب مقيمة أبداً..
الرجل 7: تعشش في ديارنا كالفئران.
(يدخل زكريا – شاب نحيل، عصبي الوجه، عيناه محتقنتان بالغضب – ومعه رجال آخرون.)
زكريا: (الصوت عنيف وساخط) ما هذا؟ حالة لا تطاق، ولا تحتمل( .يلتفت إليه الجميع
بخشية وحذر) ألا يكفينا ما نحن فيه. فقر وعذاب.
الرجل 1 :مظالم وأعمال سخرة.
الرجل 2: الله يبصر...
زكريا: أوبئة..
الرجل 12 :مجاعات..
زكريا: ضرائب تفوق كسبنا الهزيل.
الرجل 5: ربكم بصير.
الرجل 7 :يتعب اللسان لو بدأنا الحديث عن همومنا.
زكريا: وفوق الحمل يجيئنا هذا الفيل..
المرأة 3: (مولولة) لا أمان.. لا أمان على شيء.
زكريا: لم نر يوماً أبيض منذ بدأ يسرح في المدينة.
الرجل 8: لا حارس ولا لجام.
زكريا: يلّذه الشر كالغذاء.
الرجل 7: كل يوم ضحية.
الرجل 1: وكل يوم مصاب.
زكريا: البارحة خرب بسطة عيسى الجردي. أتلف كل بضاعته، وتركه يبكي خرابه وافلاسه.
الرجل 5: مسكين سيجوع أهله.
زكريا: وابو محمد حسان. أما كاد أن يودي به؟
الرجل 11 : لولا حلم الله لقضي عليه. ظهره متو رم.
الرجل 8: لن يغادر الفراش قبل شهور.
المرأة 3: لا أمان.. لا أمان على شيء.
الرجل 12 : علفت خروفي ثمانية أشهر. دفع لي القصاب عبد الهادي ثماني مجيديات فلم أبعه،
وليتني بعته. هرسه كالبرغوث. عندما صار مكتنزاً باللحم والشحم هرسه كالبرغوث.
الرجل 4: يا لطيف..
زكريا: وخربت مزروعاتنا.
الرجل 7: لم يدخل أرضاً إلا أفسد زرعها، وأتلف محصولها.
الرجل 11 :والنخيل. كم نخلة كسر حتى الآن!
الرجل 8: والله كسر النخلة الوحيدة التي أملكها.
الرجل 5: أنخلتك فقط؟ ما بقي في البلدة كلها الا النخيل المع مر القوي.
(ينفر من الهمهمة البعيدة عويل امرأة مفجوعة.)
المرأة 4: تو جعي يا امرأة.. توجعي..
المرأة 3: يا لوعة الأمهات..
زكريا: وهدم بيت محمد ابراهيم..
الرجل 12 :الله كبير. لهم بقية من عمر. لو أنهم كانوا في البيت لعظمت المصيبة..
زكريا: واليوم..
الرجل 4: يا لطيف..
أصوات: (متداغمة، ومختلطة )أستغفر الله.
-مصيبة..
-الله يساعد..
-كارثة لا يحتملها رجل
-أف..
( ثم تبدأ الأصوات في التمايز..)
المرأة 3: لا أمان.. لا أمان على شيء.
الرجل 7: في حياتي كلها ما رأيت مثله شراً وأذى. أعوذ بالله. كأن الشيطان يلبس صورته،
سحنة مقلوبة تفوح منها الكوارث.
أصوات: يا رب..
-أتنسون أنه فيل الملك!
-ما هذه الأيام السوداء!
زكريا: ويوما بعد يوم ستزداد الضحايا وتكبر المصائب.
الرجل 11 : اليوم طفل بريء، وغدا من يعرف!
زكريا: يلّذ له الشر ويسره .كلما عاث في الأرض فسادا ازداد شراهة. أتعرفون تلك
المخلوقات المصاصة للدماء. كلما تكاثرت ضحاياها ازدادت عطشاً للدم. مزيدا من الدم...
(يقسو صوته أكثر) مزيدا من الدم.. مزيدا من الدم..
أصوات: (جزعة ، ومشوشة) – تل ّ طف بعبادك وارحم.
-حلمك يا قدير يا رب.
-يا جماعة.. أراكم تنسون أنه فيل الملك.
زكريا: يم ص دمنا المزر ّ ق. والحالة من يوم إلى يوم تسوء.
الرجل 7: وهل بقي في عروقنا دم؟
الرجل 2: الله يبصر..
الرجل 5: الصبر مفتاح الفرج.
زكريا: والا نصبر!
أصوات: (مبعثرة، ومتتابعة) حتى يفرجها الله.
زكريا: نولد ونموت وأعمارنا ليست إلا انتظارا للفرج. صبرنا على الفقر.
الرجل 11 : صبرنا على الضرائب والأوبئة.
الرجل 7: صبرنا على المظالم وأعمال السخرة.
زكريا: والآن يأتي هذا الفيل فيدوس كل ما بقي لنا.
الرجل 11 : أولادنا .
الرجل 8: أرزاقنا.
المرأة 3 :لا أمان.. لا أمان على شيء.
زكريا: ولو دام الحال، فسيأتي دور كل منا كي يبكي ابنه، أو يبكيه أهله؟
أصوات: يا ربي عفوك.
-لا يصيبكم الا ما كتب عليكم.
-العين بصيرة واليد قصيرة.
-يدبرها الله
زكريا: لا.. ما عادت الحالة تطاق.
الرجل 3: تطاق.. أو لا تطاق. ماذا بيدنا.
زكريا :بيدنا!
أصوات: حقاً.. ماذا بيدنا..
زكريا: أنا أقول لكم ماذا بيدنا.. نذهب جميعا ، ونشكو أمرنا للملك. نشرح له ما يحلّ بنا،
ونرجوه أن يرد أذى فيله عّنا.
أصوات: (بين الغمغمة والخوف.. بعضها يبدأ قبل أن ينهي زكريا عبارته)
-نشكو أمرنا للملك.
-نشكو أمرنا للملك.
-ندخل إلى القصر.
-ولم لا؟
-ومن نحن حتى نتحدث مع الملوك!
-نحن ناس مظلومون.
-ربما يصغي إلينا، ويرأف بحالنا.
-لن يسمحوا لنا.
-الشكوى لا تض ر ان لم تنفع.
-قد يغضب، فلا يعلم بمصيرنا الا الله.
(ثم تبدأ الأصوات في التمايز)
المرأة 3: هو ذا رجل يجرؤ على الكلام.
الرجل 7: نذهب ونصرخ قدامه.. النجدة يا ملك الزمان.
المرأة 3: لا أمان على شيء.. لا أمان .
المرأة 1: والله لو سمع صراخ أمه، لرق قلبه ولو كان من حجر.
الرجل 9: لكن الملك يحب فيله كثيرا.
الرجل 3 :يدلله كأنه ابنه أو وزيره.
الرجل 4: رأوه يطعمه بيده.
الرجل 12 : ويشرف على حمامه بنفسه.
الرجل 3: سمعت أن الحراس يعزفون الموسيقى حين يخرج من القصر، وكذلك حين يعود.
الرجل 9: رغبته ارادة وما يفعله قانون.
الرجل 5: كاد الملك أن يطلق زوجة الملكة لأنها لم تترفق بالفيل.
زكريا: (صارخا) مبالغات.. مبالغات لا معنى لها.
الرجل 3: تقول مبالغات.. وكأنك لا تعيش في هذه المدينة.
زكريا: (يسيطر صوته على الضجيج) بل أعيش فيها. من منكم رأى الملك يطعم فيله بيده، أو
يشرف على حمامه بنفسه؟ بالتأكيد لا أحد. ربما كان يحبه . لا أقول لا. كل الملوك يحبون
فيلتهم. غير انكم تبالغون في تصوير الأمور.
الرجل 3: صحيح اننا لم نره، ولم نعبر في حياتنا أسوار القصر. لكن لا تنس أن هناك خدما
يدخلون ويخرجون. وأن الأخبار يمكن ان تتسرب من داخل القصر.
الرجل 4: بل انها غالبا ما تتسرب.
زكريا: الخدم يحبون المغالاة في أخبار سادتهم. ذلك جزء من حرفتهم.
الرجل 7: بالفعل. لعلهم يهولون علينا الأمور لا أكثر.
الرجل 9: واذا كان ما يروونه صحيحاً؟
أصوات: سيطردوننا بقسوة.
-سيغضب الملك.
-واذا غضب الملوك فالله وحده يعلم ما يحدث.
زكريا مهدئا الضوضاء) ولكن يا جماعة، أصبحت حياتنا لا تحتمل ولا تطاق. ما الذي
يمكن أن يخيفنا أكثر من هذا البلاء المقيم؟ التهديد كالسيف فوق رؤوسنا. والضحايا تتزايد من
يوم إلى آخر.
الرجل 11 : مساكن الناس تنهدم، وتتركهم بلا مأوى.
المرأة 2 :الأطفال يداسون في الطرقات بلا ذنب.
الرجل: الارزاق تسبى وتضيع.
الرجل 5 :النخيل.
الرجل 6: الماشية.
المرأة 3: (مولولة) لا أمان على شيء.
الرجل 3( :ملتفتا إليها بعضبية) كفى ولولة أيتها المرأة.
زكريا: من يريد ان يكون ابنة الضحية الآتية، يلمه من الطريق بلا هيئة؟
أصوات: بعدا للشر.
-حياتي ولا ظفر واحد منهم.
-ما عيشنا بعد أطفالنا؟
زكريا: (الى الرجل الثالث) أنت مثلا. ألا تبالي لو فقدت واحداً من أولادك؟
الرجل 3: (مرتبكا) لا أبالي! من قال ذلك. لهم عيني وروحي. (مترددا) لكن..
الرجل 7: أي رجل لا يبالي بفقدان أولاده؟
الرجل 11 :اللهم سوى الكافرين.
زكريا: وأرزاقكم! أيستوي عندكم خرابها؟
أصوات :يستوي!
-من أين نعيش؟
-البقية الباقية.
-ثم من يعرف ماذا يخبئ الغد؟
زكريا: واذن . أهناك خوف أشد من أن يخاف المر كل لحظة على حياته أو طفله أو ما يملك؟
أصوات: لا والله!
-كلام صحيح.
-كله بلاء، فلماذا لا نحاول؟
-فعلا.
-ماذا نتنظر؟..
(ثم تتمايز الأصوات تدريجيا)
الرجل 7 :الحق.. رأي وجيه.
الرجل 11 : منذ وقت طويل كان ينبغي ان نفكر في ذلك.
زكريا :ومن يعلم؟ ربما كان الملك لا يعرف ما يفعله بنا الفيل.
أصوات: هذا جائز.
زكريا: لا يقولون له خشية ازعاجه.
أصوات: والله جائز.
المرأة 3 : فليحي الرجال من أمثالك.
زكريا: لذلك ما من حل آخر. نذهب بأنفسنا ونشكو للملك حالنا.
أصوات: نعم نذهب.
-هو ذا رأي سديد..
-كلما أسرعنا كان ذلك أفضل.
-نقابل الملك.
-نطلب منه انصافنا.
الرجل 3: اللهم استرنا بسترك.
الرجل 9: هي مخاطرة على كل حال.
زكريا: ألا يزال بعض الرجال يترددون ؟
الرجل 11 : ولم التردد!
المرأة 3: هل ماتت النخوة؟
الرجل 3: ل مي لسانك أيتها العجوز.
الرجل 7: لم يبق حل آخر.
زكريا: اذن فليجتمع كل الناس في الباحة. نرتب كلامنا، ثم نمضي إلى القصر.
الطفلة: هل أنادي أبي كي يذهب معهم؟
المرأة: (مؤنبة بصوت خفيض) هس.. لا يستطيع أبوك أن يترك عمله.
أصوات :يالله يا ناس..
-فلنجتمع في الباحة.
-الجميع. الجميع.
-سنذهب إلى الملك ونشكو حالنا..
-الرجال والنساء.
-كل من يؤذيه الفيل.
-يالله..
(وفيما يخرجون تخفت الأضواء تدريجيا)
-الجميع بلا استثناء.
-الكثرة أفضل.
-بسرعة.
(يعم الظلام، ويتلاشى ضخبهم)
-أمام قصر الملك:
(كل الناس يجتمعون أمام أبواب القصر الذي يشغل الجزء الأكبر من المسرح. انهم ينتظرون
ويلغطون)
أصوات: تأخر الحارس
-لن يسمحوا لنا بدخول القصر.
-ولماذا لن يسمحوا لنا؟
( -صوت زكريا) من حق الرعية، ان ترى ملكها.
-حقها. من الذي يبالي بالحقوق!
-وان لم يسمحوا لنا بالدخول؟
-ماذا نفعل حينئذ؟
( -صوت زكريا) اطمئنوا. لا بد ان يأذن لنا الملك بالدخول عليه.
-وما الضرر في سماع حديثنا!
-يقولون عنه رقيق القلب
-رأيته في عيد التتويج يبتسم.
-كلنا نذكر ابتسامته.
-غير ان الحارس تأخر.
-اللهم جملها بالستر.
-قد يكون الملك مشغولاً.
-نحن رعيته.
-لمن نرفع ظلامتنا اذن؟
-لعلها تنتهي على خير.
( -صوت زكريا) لا تنسوا. اللهم ان نكون صوتا واحداً.
-كلمة واحدة.
-أرى الحارس!
-ها هو الحارس أخيراً.
-أي جواب يجمل؟
(يظهر الحارس على باب القصر)
الحارس) :باحتقار) أذن الملك لكم بالدخول.
أصوات: آه .. اذن لنا بالدخول.
-أمد الله في عمر الملك.
-آمين.
الحارس: (مقاطعاً الضجة، يزداد الاحتقار في وجهه) ولكن قبل أن تدخلوا نظفوا أحذيتكم
جيداً، وانفضوا ثيابكم كيلا يهر منها قمل أو براغيث( يبدأ الناس لا شعوريا بمسح أحذيتهم،
وتنفيض ثيابهم) وأهم من كل هذا أن تدخلوا بنظام وأدب. اياكم أن تلمسوا شيئاً. وتذ ّ كروا انكم
لستم على مزابلكم بل في قصر الملك.
زكريا: لا تخف.. لا تخف.. سنكون عند حسن ظنك في النظام والأدب.
الحارس: اتبعوني اذن. ولا تحدثوا ضجيجاً.
4- أمام الملك
(يتقدم الحارس ووراءه الناس. يتلامح على وجوههم الخشوع والخوف والارتباك ، وكلما
تقدموا داخل القصر ستزداد هذه الامارات وضوحاً وقوة. تنتشر بينهم همسات مبحوحة
ومندهشة.
أصوات: أترى النوافير؟
-كالخيال.
-انظر إلى الرخام.
-يتلألأ بكل الألوان.
( -صوت زكريا) امشوا بهدوء ولا تجروا أحذيتكم جرا.
-الحراس قساة.
-ينتظرون اشارة وتسقط الاعناق.
-اننا ندخل القصر.
(يرتقون الدرجات المفضية إلى الباب الرئيسي. حارسان يقفان باستعداد على جانبي الباب).
-سيظهر العرش بكل مهابته.
-ترتخي ركبتاي..
-هذا البهو.
-قلبي يدق.
-احذروا ان تلوثوا السجاد.
-الحيطان تلمع كالنهار.
-أين الملك؟
(يفتح الحارس بابا في صدر البهو يقف عليه أربعة حراس)
-ولكن باب حراسه.
-تشتد الحراسة من باب إلى باب.
-وجوههم من الصوان أو الفولاذ.
-بدأت أتعرق.
( -صوت الطفلة) أين يختبئ الملك؟
-هس...
-نمشي في نفق من الذهب..
( -صوت زكريا) اضبطوا أعصابكم.
-يزيغ البصر...
-أين يمضون بنا؟
-ما هذه التجربة المخيفة!
-أصبح الحراس في كل الزوايا.
-القتل عندهم أهون من التثاؤب.
-القصر كالمتاهة.
(يقف الحارس أمام باب آخر يحرسه عدد كبير من الجنود القساة.)
الحارس: (ملتفتا إلى الجماعة، وقد تزايدت رنة الاحتقار في صوته) الآن تدخلون قاعة
العرش. الويل لكم ان بدر منكم شغب أو قلة أدب. للمثول أمام الملك أصول فلا تنسوا ذلك.
زكريا: سنثبت أننا نحسن الوقوف بين يدي الملك أتسمعون؟ يجب أن نكون في غاية الأدب.
ندخل في صفوف منتظمة، وننحني باحترام وخشوع، ثم بعدئذ نرفع للملك شكايتنا.
أصوات: سنرى الملك...
-رأسي يدور.
-قلبي يدق.
-قلبي يدق.
(يفتح حارسان مصراعي الباب الكبير)
الحارس: (ميمما وجهه إلى الداخل. لا يزال على الباب) عامة المدينة على الباب يا ملك
الزمان.
الملك: (من الداخل) ليدخلوا.
الحارس: احنوا رؤوسكم وادخلوا.
(يتقدم زكريا، يتبعه الناس الذين بدا الذعر والاضطراب يشتتان نظراتهم، وخطواتهم أيضاً.)
أصوات: (مبحوحة، وراعشة) – الملك وبيده الصولجان.
-ضوء كالشمس .
-لا ترفع رأسك.
-الحراس كالأشباح.
-في كل ركن وزاوية.
-العرش عال.
-والملك يتألق كالشهب.
-الملك...
(تتجمد الملامح. يتحول الخوف صمتا باردا. الجميع خافضوا الرؤوس، زكريا في طليعتهم..
يجرون خطوات ثقيلة، ينحنون إلى أقصى حدود الانحناء، م لا يجرؤون على النهوض بعدئذ.)
الملك: ماذا تريد الرعية من ملكها؟
(مت ثقيل. لا اختلاجة ولا حركة. مجموعة من الأجساد المقوسة اليابسة.)
الملك: أأذن لكم بالكلام. مم جئتم تشكون؟
زكريا: (متجرئاً ، صوته راجف) الفيل يا ملك الزمان.
الملك: ما خبر الفيل؟
صوت: (راعش من بين الجماعة) قت.. (ثم يختنق الصوت ، ويتلفت صاحبه حوله بذعر.)
زكريا: (يقوي صوته (الفيل يا ملك الزمان.
الملك: (متأففاً) وماله الفيل؟
صوت الطفلة: (خفيضاً )قتل ابن.. (تضع الأم يدها بهلع على فم الصغيرة وتجبرها على
السكوت)
الملك: ماذا أسمع؟..
زكريا: (محرجا وغاضبا. يعلو صوته أكثر) الفيل يا ملك الزمان.
الملك :كاد صبري أن ينفذ. تلكم . ما خبر الفيل؟
زكريا: (يائساً، يتلفت نحو الناس المقوسي الظهور في انحناءة خوف) الفيل يا ملك الزمان.
الملك: توقف عن هذا النواح.. الفيل يا ملك الزمان. أما أن تتكلم أو أأمر بجلدك.
(يتفرس زكريا في الناس باحتقار ويأس. يتردد لحظات ثم يتغير وجهه، ويتقدم من الملك.)
زكريا: (يمثل ما يقوله بخفة وبراعة) نحن نحب الفيل يا ملك الزمان. مثلكم نحبه ونرعاه.
تبهجنا نزهاته في المدينة. وتسرنا رؤياه. تعودناه حتى أصبحنا لا نتصور الحياة دونه. ولكن ..
لاحظنا أن الفيل دائما وحيد لا ينال حظه من الهناءة والسرور. الوحدة موحشة يا ملك الزمان.
لذلك فكرنا ان نأتي نحن الرعية فنطالب بتزويج الفيل كي تخ ّ ف وحدته، وينجب لنا عشرات
الافيال. مئات الافيال. آلاف الافيال. كي تمتلئ المدينة بالفيلة.
أصوات: _كالحشرجة) تزويج الفيل.
الملك: (مقهقهاً) أهذا ما جئتم تطلبونه؟
زكريا: لعل مولاي لا يرد لنا الرجاء.
الملك: (ملتفتا إلى وزرائه وحاشيته) أتسمعون! مطلب في غاية الطرافة. كنت أقول دائما أني
محظوظ برعيتي. حنان ورقة في الشعور. رعيتي مليئة بالحنان. كلها حنان. طبعا سننفذ
للشعب مطلبه. (يدق الصولجان) فرمانات ملكية. الفرمان الأول يأمر بالخروج إلى بلاد الهند
للبحث عن فيلة يتزوجها الفيل. الفرمان الثاني يأمر بمكافأة هذا الرجل الجريء وتعيينه مرافقاً
دائماً للفيل. الفرمان الثالث يأمر باقامة فرح عام ليلة العرس، تدق فيه الطبول، وتوزع على
الشعب المآكل والمشروبات ويعم السرور والانشراح خمسة أيام بلياليها.
زكريا: أدام الله فضل الملك علينا.
أصوات: (كالحشرجة) أدام الله فضل الملك علينا.
الملك: (ضاحكا) مطلبكم أجيب. تستطيعون الانصراف.
(يتحركون بخطوات ذليلة منسحبين، وتخفت الاضواء.
تعليقات
إرسال تعليق