يطلق هذا المصطلح على الزيادة التدريجية والمستمرة على متوسط درجة حرارة سطح الأرض ومحيطاتها المائية، مما أدى إلى تغيرات مناخية قد تصل إلى مستويات كارثية مع الزمن.
ما هي أسباب الاحتباس الحراري؟
درس علمـاء المنـاخ هذه الظاهـرة لعشـرات السنيـن، وقاموا بتحليـل دقيق للدورات والظـواهر الطبيعيـة المؤثرة في تشـكيل المنـاخ. وتبين نتيجة لذلك انه لا يمكن تفسـير نمط ومقـدار الزيـادة في درجة حـرارة الأرض اسـتنادا إلى هـذه العوامل بمفردهـا، وكـأن لا بد من أخـذ أثـر غـازات الدفيئـة (Green house) التي يولدها الإنسان بعين الاعتبار.
غازات الدفيئة الناتجة عن احتراق الوقود تساهم في تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري
ما هي غازات الدفيئة؟
هناك مجموعة من غازات الدفيئة يولدها الإنسان بطرق مختلفة، ومعظمها ينتج عن احتراق الوقود الأحفوري (Fossil Fuel) من الفحم والزيوت في السيارات والمصانع، ومحطات توليد الكهرباء. ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) الغاز الأهم في تسخين الأرض نظرا لضخامة الكميات الناتجة منه في عمليات الاحتراق. ويليه غاز الميثان (CH4) الناتج عن عمليات التخمر في الصناعات الغذائية والزراعية ومكبات النفايات، وغاز أكسيد النيتروز (N2O) الناتج عن صناعة الأسمدة، والغازات المستخدمة في التبريد وغيرها من العمليات الصناعية، وأخيرا إزالة الغابات والتي تختزن قدرا كبيرا من غاز ثاني أكسيد الكربون لو بقيت على قيد الحياة.
،
وتتفاوت هذه الغازات في قدرتها على الاحتباس الحراري مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون. فالميثان وأكسيد النيتروز وغازات التبريد تختلف في قدرتها على تخزين الطّاقة الحراريّة بالنّسبة لغاز ثاني أكسيد الكربون بما يساوي 20 ،و 300، وبضعة آلاف مرة على الترتيب. ولكن نظرا لصغر كميات هذه الغازات الأخرى في الجو، فإن أثرها على تسخين الأرض يظل محدودا بالمقارنة مع غاز ثاني أكسيد الكربون.
كيف تعمل غازات الدفيئة على تسخين الأرض؟
تخترق أشعة الشمس المرئية, ذات الطول الموجي القصير نسبيا, الغلاف الغازي للأرض، وتعمل على تسخين سطحها ومحيطاتها. وبالمقابل، فإن الإشعاع فوق الأحمر ,الطويل الموجة, والذي ينبعث من سطح الأرض ومياهها يعود فينعكس معظمه عن الغلاف الغازي عائدا إلى الأرض التي يمتصه ويرفع بذلك تدريجيّا درجة حرارتها فوق المتوسّط بصورة مستمّرة. وتلعب غازات الدفيئة دورا رئيسيا في ذلك اخل بالتوازن الطبيعي المألوف لدرجة حرارة الأرض، وزاد من سخونتها التدريجية.
ما هي الزيادة في تركيز غازات الدفيئة منذ عام 1750؟ ومن هي الدول المسؤولة عن ذلك؟
لقد بلغت الزيادة في تركيز غازات الدفيئة منذ عام 1750 على الترتيب التالي:
غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) 36%
غاز الميثان (CH4) 148%
وغاز أكسيد النيتروز (N2O) 18%
ويعتبر المسؤول عن ذلك في الدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مهد الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي الذي سار بوتيرة متسارعة بعد الحرب العالمية الثانية، ثم اكتشاف المصادر الهائلة للوقود الأحفوري من فحم وزيت وغاز طبيعي. ويعادل ما تطلقه الولايات المتحدة الأمريكية من غازات الدفيئة بمفردها مجموع ما تطلقه أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، والشرق الأوسط، واليابان، واسيا. إذ أطلقت الولايات المتحدة عام 2007 سبعة بلايين طن من غازات الدفيئة إلى الغلاف الغازي للأرض.
ولقد ظهر في السنوات الأخيرة لاعبون جدد أهمهم الصين والهند والبرازيل، وتفوقت الصين حاليا على الولايات المتحدة في هذا المجال بحكم الكثافة السكانية الهائلة، ومستويات التنمية العالية التي زادت إلى 12% سنويا أحيانا.
ويتوقع أن يتساوى انبعاث غازات الدفيئة للعالم الثاني مع العالم الصناعي بحلول عام 2015، ويتوقع أن يزداد بعدها التلوث الحراري الناتج عن البلدان النامية بمقادير كبيرة. ويتوقع ازدياد درجة حرارة الأرض والمحيطات ما بين 4 C إلى 8 C بحلول عام 2100، وذلك اعتمادا على وتيرة النمو الاقتصادي العالمي.
ما هي الآثار الناتجة عن الاحتباس الحراري؟
ذوبان الجليد احد نتائج الاحتباس الحراري
إن كوكب الأرض يسخن طولا وعرضا، والأدلة على ذلك كثيرة وفي اماكن متعددة:
* الجليد يذوب في كل مكان يوجد فيه، خاصة في القطبين الشمالي والجنوبي. وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة وخطيرة على المياه في هذا الكوكب، وارتفاع مستوى البحار والمحيطات، وسيختفي نتيجة لذلك عدد كبير من الجزر المتناثرة في المحيطات، كما ستخسر البلدان الساحلية جزءا مهما من أراضيها، مما سيعكس سلبا على إنتاجيتها الاقتصادية ومواقعها السياحية والثقافية. هذا ويتوقع ارتفاع مستوى البحار بين 20 و 50 سنتيمتر بحلول عام 2100.
ان الأدلة كثيرة ومتعددة على أن العالم يمر حاليا بين (2010 -2000) بتغيرات مناخية وسخونة في درجات الحرارة لم تشهدها الأرض في تاريخها. ونتيجة لذلك:
1- ازدياد الفيضانات والعواصف المدمرة
2- ازدياد فترات الجفاف الطويلة، واتساع ظاهرة التصحر، وانتشار الحرائق.
3- تغيرات كارثية في البيئات النباتية والحيوانية والسكانية، مما سيؤدي إلى انقراض بعض أنواع الحيوانات كالدب القطبي مثلا، وتناقص أعداد بعضها الآخر كالبطريق في القطب الجنوبي، والذي تناقصت أعداده من 32000 إلى 11000 خلال 30 سنة.
4- انتشار الأوبئة والمجاعات على نطاق واسع وخطير.
5- تكاثر الحشرات خارج نطاق السيطرة وتدميرها للغابات.
6- تدمير الحيود المرجانية والبيئات البحرية.
7- توقع زوال ثلوج القطب الشمالي في غضون (7-5) سنوات.
ماذا نستطيع أن نفعل؟
ليس لدينا الكثير من الوقت لإيقاف عجلة التدهور وإنقاذ كوكبنا الجميل والنادر من الدمار الشامل، خاصة وان لدينا مثالا حيا في نظامنا الشمسي حيث أحالت غازات الدفيئة كوكب الزهرة إلى جهنم محرقة.
فالغلاف الغازي للزهرة أثقل من غلاف الأرض بحوالي 90 مرة ويتكون من 96% من غاز ثاني أكسيد الكربون، و 3.5% من النيتروجين، وحوالي 1% من غازات أخرى. وتبلغ درجة حرارة سطحه 460 C.
ولإنقاذ كوكبنا من مصير مشابه يترتب علينا القيام بإجراءات متنوعة أهمها:
• أن تقوم الأمم المتحدة بوضع اتفاقيات ملزمة لجميع الدول، كما حاولوا في مؤتمر كوبنهاجن الذي اختتم أعماله في2009-12-18, ولكنّهم لم يفلحوا بسبب الخلافات بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، وسيطرة الشركات الاحتكارية ورأس المال على سياسات الدول المشاركة.
• تطوير مصادر بديلة ونظيفة للطاقة: كطاقة الرياح، والشمس، وتوليد الطاقة الكهربائية من المصادر المائية والسدود.
• تطوير تقنيات جديدة متطورة ذا كفاءة عالية في استخدام الطاقة لتصبح ركيزة للاقتصاد العالمي.
التزام كل دولة بتشريعات صارمة للمحافظة على البيئة ونظافتها على كافة المستويات.
• تنشئة وتثقيف الأجيال لتكون على مستوى عال من الالتزام بالمحافظة على البيئة وصيانتها.
نأمل أن يكون قد وفقنا في عرضنا لظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد كوكبنا بتحولات مناخية كارثية ما لم تقم، وعلى الفور، بتنفيذ ما يجب تنفيذه لإنقاذ هذا الكوكب الجميل وحضارته الإنسانية.
الأستاذ الدكتور عيسى شاهين
استاذ الفيزياء بالجامعة الأردنية
استاذ الفيزياء بالجامعة الأردنية
تعليقات
إرسال تعليق