"إن كل ما أقوله ليس هو الشيء الذي أريد أن أقوله لكم، كل ما أقوله لا يفعل شيئاً مع الحقيقة لأن الحقيقة لا يمكن أن تُقال، كل ما أقوله ليس إلا طَرْقاً على الباب، وعندما تُصبح واعياً: سوف ترى الحقيقة.
ماذا أريد........ أريد أن أرى القوة والسلام في كمالهما..... أريد جمعاً وانسجاماً بين الدين والعلم... وبهذا سيولد فردٌ مثالي لثقافةٍ مثالية.
إن الفرد ليس جسداً أو روحاً، إنه توحيدٌ للاثنين معاً، لذلك أي شيءٍ يعتمد على واحدٍ منهما بمفرده يكون ناقصاً...
لستُ هنا لأجعلك تفهمني! أنا هنا لأساعدك على أن تفهم نفسك. عليك أن تراقب أعمالك، علاقاتك، أحوالك ومزاجك عن قرب. وأن تراقب حالتك عندما تكون وحيداً، وعندما تكون مع الناس، كيف تتصرف، كيف تنفعل... هل ردود أفعالك شرقية أم غربية.. نموذج متحجر من الأفكار، أم أنك عفوي تلقائي، مسؤول..؟ راقب كل هذه الأشياء... استمر بمراقبة فكرك وقلبك. هذا ما يجب أن تفهمه وهذا هو الكتاب الذي يجب أن تفتحه أنت كتاب غير مفتوح بعد.
الحياة كريمة جداً؛ كل ما عليك أن تكون مُتلقّياً، لكن لا تنتظر أية مكافأة. أريدك أن تكون بريئاً تماماً من كل الفساد والتلوث الفكري، ليكن عقلك صامتاً ومحباً.... منتظراً للمزيد أن يأتي. الحياة واسعة جداً، ومهما اكتشفنا منها... لن نستطيع أن نتعبها أبداً......! فهي لا متناهية.... والسّر يكمُن في العمق...... فوق الزمان وفوق المكان.
أنا كلٌّ مع كلّ الأشياء... في الجمال، في القباحة، في كل الأشياء أنا موجود، ليس فقط في الفضيلة بل في الرذيلة أيضاً أنا شريك، وليست الجنة فقط مسكني بل الجحيم أيضاً... بوذا، المسيح، لاوتسو..... من السهولة بمكان أن أكون تابعاً لهم! لكن هتلر وتيمورلنك وجنكيز خان أيضاً في داخلي! لا! لا أنصاف! أنا الجنس البشري بكامله وكل ما هو إنساني يسكن فيّ: الورود كما الأشواك – الظلام كما الضياء، وإذا كان الرحيق لي فلمن السّم؟ السم والرحيق كلاهما لي....... كل مَن اختبر هذه الأشياء جميعها بالنسبة لي هو إنسان متديّن، فعذابات جميع هذه الخبرات وحدها تستطيع أن تحدث انقلاباً جذرياً في هذا العالم المجنون.
كلما ذهب المرء بعيداً داخل نفسه كلما زاد نضجه...
وعندما يصل إلى مركز وجوده بالتحديد، سيصبح ناضجاً تماماً. ولكن في تلك اللحظة، سيختفي الشخص، وسيبقى وجوده!
تختفي النفْس ويبقى الصمت، تختفي المعرفة وتبقى البراءة.
أنا أيضاً فلاح وقد زرعتُ بعض البذور. لقد تبرعمَتْ هذه البذور وحملَت أزهاراً، الآن.. حياتي بكاملها مليئة بأريج هذه الأزهار وبسبب هذا الأريج أعيشُ في عالم مختلف. لقد أعطاني ولادة جديدة... وأنا منذ الآن لا أبدو كما ترى العيون العادية.
لقد فَتح الغير مرئي والغير معروف أبوابه المغلقة، وأنا أرى عالماً مختلفاً لا يُمكن أن يُرى بالعين، وأنا الآن أستمع لموسيقى لا تستطيع الآذان سماعها، أذان بلال... كل ما وجدته وكل ما عرفته متلهّف بتوق... يشبه شلالات الجبال وينابيعها التي تتدفق مندفعة إلى المحيط.
تذكّر... عندما تمتلئ الغيوم ماءاً فعليها أن تُمطر. وعندما تمتلئ الأزهار عطراً عليها أن تهبه إلى الرياح لتنشره. وعندما يُضيء المصباح فمن المفروض أن يشعّ الضوء منه... لقد حدث شيء مشابه، وتقوم الرياح بحمل بعض بذور الثورة والنور مني... ليس لدي أي فكرة في أي حقل ستهبط ومن سيعتني بها... كل ما أعرفه أنه مِن مثل هذه البذور حصلتُ على أزهار الحياة والحياة الأبدية، واقتربتُ من الله.
وأينما هبطَتْ في أي حقل، ستتحول تربة ذلك الحقل إلى أزهار الخلود. الخلود مخفيّ في الموت، والحياة كامنة في الموت- تماماً كالزهرة التي تخرج من التراب.
لكن الشيء الكامن في التراب لا يمكن أبداً أن يظهر في غياب البذور... البذور تجعل المخفيّ ظاهراً، وتُعبّر عن المعاني الدفينة.
مهما كان لديّ، ومهما كنتُ في حياتي، أريد أن أهب نفسي كبذور من الوعي المقدّس.
إن الذي نحصل عليه في المعرفة والتعلّم، يُقدّمه الحب بكرمٍ للجميع... بمعرفة المرء لنفْسه يعرفُ الله، وبالمحبة يصبح الإنسان إلهاً بحدّ ذاته.
عندما تغيب منك الأفكار ويبقى ذهنك صافياً، عندما لا يكون عندك خيار وتكون لأمر الله مسلّماً، عندما لا يكون هناك كلمات ويكون قلبك فاعلاً عندها ستدخل في الدين الحقيقي.... لستُ من الذين يخافون الله بل أنا من عشّاقهِ.. فالخوف لن يأخذك إليه بل سيؤدي بك إلى فراقهِ...
ودون أن أشعر، فأنا لست بمؤمنٍ أو مُعتقِدٍ أيضاً!!! فالاعتقاد أعمى! وكيف للعمى أن يأخذك إلى الحقيقة المطلقة؟؟؟ مع احترامي لكل الأديان، لستُ بتابع إلى أي دين‼
لأن الدّين لا يُمكن أن يقسَّم ويُوضَع في مصنّفات!! إنه دين واحد أبدي لا يتجزّأ وهو التديّن في القلب!! وكل الأديان فيها روح واحدة وتوصلك إلى جوهرة واحدة.
بالأمس عندما قلتُ ذلك، سألني أحدهم: إذن أنت مُلحد؟! لستُ بمُلحدٍ ولا بمُؤمن!!
إنها مجرّد اختلافات سطحية وفكرية فقط، لا علاقة لها بالكون أبداً. فالوجود غير مقسوم مثل عقلنا المليء بالتناقضات...... ومن الفكر فقط تأتي جميع تلك الاختلافات.
كلٌّ من الإيمان والإلحاد مصدره العقل ولا يصل إلى المستوى الروحي! الروح تسمو فوق كل شيء إيجابي وسلبي.... وتكمُن وراءهما في العمق.
بمعنى آخر: إن الإيجابي والسلبي شيء واحد في ذلك المستوى، وليس هناك خط يفصل بينهما.
لا يوجد أي مفهوم فكري يعمل هناك... في الواقع على المؤمن أن يُسقِط إيمانه وكذلك على المُلحد أن يُسقط إلحاده... ومن المحتمل عندها أن يدخلوا معاً إلى عالم الحقيقة والحق.... ويهتدوا إلى الصراط المستقيم.
كِلا الفكرتين من استحواذات العقل عليك.... و الاستحواذ عبء مفروض قسرياً. ليس علينا أن نقرّر ماهيّة الحقيقة، لكن علينا أن نتذكرها كاللحظة التي ينفتح فيها المرء على نفسه.... وعندها من يعرف نفسه يعرف ربه.
من يستطيع رمي جميع قراراته الفكرية، والمفاهيم المنطقية وكل الافتراضات والهواجس.... يصل إلى براءة طفولية يفتح فيها نفسَه على الحقيقة كما تفتح الزهور بتلاتها في النور وفي هذا التفتّح تصبح الرؤية الحقيقية ممكنة ولن يرى إلا نوراً في نور وهكذا فإنني أُسمّي الرجلَ بالمتديّن الحقّ إذا كان ليس مؤمناً ولا ملحداً. التديّن هو قفزةٌ كبيرة من فكرة التعدّدية.... إلى الوحدة والتوحيد. إلى رؤية الله في كل الأشياء والمخلوقات.
عندما تغيب الأفكار ويبقى ذهنك صافياً، عندما لا يكون عندك خيار وتكون لأمر الله مسلّماً، عندما لا يكون هناك كلمات ويكون قلبك فاعلاً عندها ستدخل في الدين الحقيقي.
الخوف لن يأخذك إلى الله.... بل الحب سيجلبه إليك...
يـا أخـي الشجـاع... هل تعرف بأن كل الحكمة والشجاعة تكمن في حبة الرمل التي لا تكاد تراها على شاطئ البحر...؟ نعم، إنها الشجاعة الحقيقية النابعة من الثقة بالوجود والموجِد.
عندما تتأمل رمال الشاطئ المتناثرة في موج البحر... كيف أنها تروح جيئةً وذهاباً مع تلك الأمواج... بدون مقاومة أو خوف... وإنما بكل سلامٍ وتسليم... وكأن البحر يغازل حبة الرمل ويداعبها مع كل موجة... إنه التناغم المطلق في الطبيعة... وفي كل ذرة وكل كون... هنا تجد الشجاعة الحقيقية في البحث عن الحياة ذاتها... لا بالعودة إلى الماضي الميت أو الغوص في وهم المستقبل... إنها الآن وفقط الآن... في هذه اللحظة الحاضرة التي تبدد الزمان والمكان... إلى روح الإنسان... بأن تقول نعم للوجود الذي يحضنك... كما يقولها الطفل لأمهِ... كما تقولها الشجرة للأرض والرياح والشمس... كما تقولها السمكة للمحيط... وكل خلية في جسمك تقولها أيضاً... وأنت كذلك... من أعماق قلبك... كالعاشق الذي يفتح قلبه وروحه للمعشوق... لتزول كل الحواجز والحدود... إلى اللامحدود في هذا الوجود وقبله وبعده...
جذور الإنسان ممتدة عميقاً في الوجود كشجرةٍ مباركة... فلماذا تقاوم الحياة؟ لمن هذه الـ "لا"؟ أهي لأمك الأرض؟ أم للسماء الزرقاء التي تحلق روحك فيها؟ أو للشمس التي تتغسّل بنورها..؟
إن من يقاوم الحياة يموت شيئاً فشيئاً... هذه الحياة التي تتدفق فيك مع كل نَفَس... وتنعش قلبك مع كل لحظة وكل آن... فكُن ناي الحياة... يعزف لحناً إلهياً أبدياً... يا صاحب المكان والزمان...
الإنسان الشجاع ينظر حوله، ويشعر بقلبه... ليرى بروحه أنه جزء من هذا الوجود الواحد... من هذا الكل اللامتناهي في هذه اللحظة وكل لحظة... فيصمت فكره وتتطمئن نفسه في سكينة الساكن في كل جسد وكل أحد يـا واحد يـا أحد... ليقولها بكل محبة وثقة... نعم للحيـاة.
إنه مستعد ليغامر بكل شيء عرفه طوال عمره لأجل هذه الـ "نَعم"... من أجل تلك اللحظات التي رشف بها قليلاً من نبع الحياة الأبدية... لكي يستسلم لماء النهر العذب الصافي الذي يسير رقراقاً متلألئاً في ضوء القمر والشمس إلى المحيـط الواسع اللامحدود.
الشجاعة الحقيقية هي أن تكون حاضراً لتغامر بنفسك أيضاً في سبيل نفحة من الحب الصافي... وتستمر المغامرة... حتى بتلك النفحات إلى أن تفنى في المحبة... لأنك لن تعرف المحبة الحقيقية إلا عندما تذوب تماماً وتتوحد مع المصدر... مع الأكوان والمكوِّن... هذا هو الفناء في البقاء... فلا تقف متفرِّجاً على الشاطئ مع كل تلك الكتب والخرائط والاعتقادات المعقَّدة... ارمها بعيداً واقفز في أحضان المحيـط... أحضان الحيـاة... إن الإنسان يبحث عن الله أو الحياة ضمن حدود معينة... ونسي أنه يبحث عن اللامحدود... فكيف تضع تصوراً مسبقاً أو حداً ما لبحثك! إنك لن تجده بذلك أبداً... بل ستبقى مكانك بتعاستك وبؤسك وقيودك التي تظنها حياةً... وصلاتك التي تظنها صلةً وما أنت بمكفول ولا موصول... بل في بحور الشيطان تسبح وتجول.
هل تظن بأنك ستشتري الحياة بالمال الذي تنفقه على من تسميهم فقراء ومساكين..!؟ وهل تحسب نفسك مغامراً من الدرجة الأولى لمجرد ذهابك إلى الجوامع والكنائس..!؟ إنك تكون كذلك فعلاً عندما تنذر نفسك في سبيل الحياة... بأن تذبح أحلامك وأمنياتك وطمعك في مذبح الكنيسة أو أضحى الأعياد... ثمن الحياة باهظٌ جداً... وهو أبعد من كل معاييرك وحدودك وأفكارك التي قيَّدت نفسك بها. فإذا كنت تعتقد بأن صلاتك لدقيقتين قبل أن تنام في ليل أحلامك المكبوتة صلاةً، أو أن تكرارك لبعض الكلمات والأسماء كالببغاء من دون حياة ذِكراً... فأنت تضيع فرصتك الوحيدة بأن تتعرف على حقيقتك... ومن عرف نفسه عرف ربَّه... وإذا لم تتحلّى بالشجاعة والإرادة الكاملة لخوض المغامرة ستبقى ذاك المخادع الذي يخدع نفسه والآخرين دون أن يدرك ما يفعله... وكل ما يجنيه في النهاية وَهم بوَهم... وكبرياء وتكبُّر... وأنانية توحي إليك بسعادة زائفة مؤقتة... وكل ذلك يسكن رأسك الذي ضاق بالأفكار والأدوار... حتى لم يبقى لك دور ولا دار في الحياة الحاضرة الآخرة... في هذا الآن المقدَّس الأبدي.
يـا أخـي.. الدين الحقيقي أو الصلاة الحقيقية تكون بالحضور والوَصل... هذه الحَضرة والوعي الصافي الذي يستمر كل لحظة وكل ثانية.
ليست مسألة فعل أو القيام بشيء، بل هي مسألة تسليم وحضور في الآن... إن الأفكار والاعتقاد والانعقاد بالعقد يقطع تدفق الحياة... تلك الحياة التي تُزهر في قلبك وتراها في عيون الآخرين فتشاركهم بها بكل حرية ومحبة... وهذا هو التدين الحقيقي والمحبة الحقيقية... وفي النهاية يقفز الشجعان في محيـط الحياة... بينما يبقى الجبناء على رصيف الانتظار والدمار حيث لا نمو ولا عمار... فمن أي نوع أنت؟؟
لتعرف الوجود يجب أن تكون وجودياً.....
أنت لستَ كذلك، بل تعيش في الأفكار، تعيش في الماضي.. في المستقبل، لكنك لا تعيش هنا والآن... ولذلك يبرز السؤال: تظنّ أنك تعيش، لكنك لا تعيش... تظن أنك تُحب، لكنك لا تُحب... أنت فقط تفكر في الحب، تفكر في الحياة، تفكر في الوجود، وهذا التفكير هو السؤال، هذا التفكير هو الحاجز! ارمِ كل الأفكار وانظر، لن تجد سؤالاً واحداً، ما يوجد هو الجواب فقط!
ومن أجل ذلك أُصرّ دائماً أن البحث الحقيقي ليس عن الجواب، البحث ليس لكي تجد جواباً على سؤالك، بل يجب أن تفكر فقط كيف سترمي الأسئلة، كيف سترى الوجود والحياة بدون تساؤلات الفكر. هذا هو معنى الثقة بالكون ومُبدعه، هذا هو أعمق معنى للثقة والتسليم... أن تنظر للوجود بذهنٍ خالٍ من الأسئلة. أنت تنظر ببساطة، ليس لديك أي فكرة كيف تنظر إليه، لا تفرض عليه شكلاً معيناً، ليس لديك أي حكم مُسبق...
تنظر ببساطة وبعيون مجرّدة، مكشوفة لا تغطيها أي أفكار، أي نظريات، أي معتقدات، تنظر للوجود بعيني طفلٍ صغير، وعندها فجأة لا يوجد إلا الجواب.
في الوجود ليس هناك أسئلة. الأسئلة تأتي منك أنت، ولسوف تأتي وتأتي... ويمكنك أن تُكدّس الكثير من الأجوبة كما يحلو لك.. لكن تلك الأجوبة لن تساعدك. عليك أن تصل إلى الجواب، ولتصل إليه عليك أن ترمي كل الأسئلة.
عندما يخلو الذهن من الأسئلة ستصبح الرؤية واضحة، وذهنك صافٍ، وأبواب البصيرة ستصبح نظيفة ومفتوحة، وفجأة... يصبح كل شيء شفافاً. تستطيع أن تغوص في العمق حيثما نظرتَ، فنظرتك تخترق إلى المركز، إلى الجوهر... وهناك فجأة ستجد نفسك. ستجد نفسك في كل مكان. تجد نفسك في صخرة إذا نظرت إلى العمق، العمق الكافي، عندها المُشاهد يصبح المَشهود، والناظر يصبح المنظور، والعالِم يصبح المعلوم.
إذا نظرتَ بعمق في صخرة، في شجرة، في رجل وفي امرأة، وتابعت النظر بعمق، تلك النظرة هي حلقة، تبدأ منك، وتمر عبر الآخرين وتعود إليك ثانية. كل شيء شفاف جداً، لا شيء يمنعه. الشعاع يذهب، يشكل حلقة، ويعود ليقع عليك. لذلك أحد أعظم الكلمات في كتب الأناشيد هي: "الحلقة كاملة".
أي أن المتعبّد مع الله واحد، الطالب مع المطلوب واحد، السائل هو نفسه يصبح الجواب.
في الوجود لا يوجد أسئلة، لقد عشتُ فيه زمناً طويلاً حتى الآن ولم أصادف سؤالاً واحداً... ولا حتى تساؤل.
الحياة لها جمالها الخاص، لا شكوك تبرز في الذهن، ولا ظنون تحيط بك، لا يوجد أي سؤال داخل كيانك فأنت لست مجزّأ، بل كلّي... البداية هي النهاية...
والجمال كُلُّه في البداية، لأنه عندما تبدأ بالتحرك، تكون النهاية "السقوط في المحيط" قد تقرّرت. البداية كانت بين يديك، لقد كانت حرّيتك، لذلك فالجمال يكمُن فيها. السقوط في المحيط سيكون ذا نشوةٍ عظيمة لكنه ليس في يدك، ما كان بين يديك هو البداية، وأنت استجمعتَ الشجاعة، وقفزتَ من حالة الركود والموت إلى كائنٍ حيٍّ، يعيش، يغني ويرقص. فمن يهتم متى سيأتي المحيط؟ البداية تكفي وأكثر من كافية – لأن السقوط في المحيط أصبح تلقائي الحدوث. لقد بدأت الرحلة فابتهج بها، لا تفكّر بالغد..... اليوم بحدّ ذاته يكفي، إنه هبة ونعمة وبَرَكة.
أنت المحيط – فما الذي ستجنيه من السقوط في المحيط؟
الأمر ببساطة هو أن نُدرك أن الماء في قطرة الندى أو في أكبر محيط، من نفس الطبيعة:
كل قطرة ندى تحتوي محيطاتٍ بداخلها، وكل المحيطات تكوّنت من قطرات الندى. المُرِيد الحقيقي لا ينشغل بالهدف. المُرِيد الحقيقي يهتم بالبداية الصحيحة، وأنت مُباركٌ لأن البداية الصحيحة قد حدثت. متى يصل القارب إلى الشاطئ الأخر..... لا وجود للشاطئ الآخر! وليس هناك إلا شاطئٌ واحد... فالمسألة لا تتعلق بالوصول إلى مكان ما، بقدر ما هي مسألة صحوةٍ، الآن وهنا.... يجب على الصحوة أن تكون دائماًَ: الآن وهنا.
أما القارب الذي أتحدث عنه فهو في الحقيقة ليس بقارب، إنني أتحدث عن تحوّلك إلى إنسان واعٍ.. أي أن تصبح أنت القارب.....!! عندما ننام نكون في المكان الذي نريده، أو الذي قُدّر لنا أن نكون فيه..
والبشر يحلمون بدخول الجنة، إلا أنهم يغطّون في نوم عميق، وهذا ما يمنعهم من دخولها، ومع الوقت تصبح تلك الأحلام هي الحقيقة بالنسبة لهم، أما الحقيقة الصافية تتلاشى وتتحول إلى كذبة....
لستَ بحاجة إلى الذهاب إلى أي مكان... فالتأمل ليس رحلة في الفضاء ولا رحلة في الزمن بل هو وعي لحظيّ............ إذا استطعتَ أن تكون صامتاً الآن.. فهذا هو الشاطئ الآخر... إذا استطعتَ أن تُلزم عقلك بالتوقّف وعدم العمل.. فهذا هو الشاطئ الآخر إلا أن العقل ذكي جداً ومخادع كبير فهو يحرّف كل التعاليم العظيمة، ويقفز فوق الكلمات ويمسك بها ثم يبدأ بإعطاء معانٍ جديدة لها، ليست في الواقع معانيها الحقيقية...
نعم... لقد تحدّثتُ مرة عن الشاطئ الآخر، وربما قام عقلك بالتقاط الكلمات.. الشاطئ الآخر.... إلا أنك أسأتَ الفهم.... كن واعياًَ، وهذا الشاطئ أي الوعي سيصبح الشاطئ الآخر وهذه اللحظة ستصبح الحياة الأبدية.
وهذا المكان سيصبح الجنّة.... تذكّر... الوعي ليس بحاجة إلى وقت، ليس بحاجة حتى إلى جزء من الثانية لكي يحدث... إنه يتحقق برغبة جامحة تظهر بداخلك... نوعيّة شديدة من الرغبة التي تحولك إلى نار مُحرقة لتحترق معها... ومن خلال تلك النار فإن القديم فيك سيذهب والجديد سيصل..... على الرغم من أن القديم لم يكن موجوداًَ أصلاًَ في داخلك، بل أنت فقط اعتقدتَ بوجوده!!!... والجديد كان في داخلك منذ الأزل.... إلا أنك نسيتَ ذلك..... لا وجود لحقيقتان في هذا العالم... إنها حقيقة واحدة موحَّدة.... فلا تفرّ من نفسك، لا تذهب إلى كهوف الهملايا ولا إلى أي مكان آخر، لأنه عليك أن تصبح واعياًَ في مكانك بالضبط..... وفي الحقيقة، من الأسهل أن تصبح واعياً هنا أكثر من ذهابك إلى الهملايا!
لأنك إذا كنتَ تعاني في نومك... ولاوعيك، من كابوس ما... فالصحوة ستكون أسهل، أما إذا كنتَ تحلم بأحلام جميلة فالصحوة ستكون أصعب بكثير.... كالذي يحلم بأنه مع مَن يحبّ، فيكون إيقاظه صعباً، حتى أنك قد تتحول في نظره إلى عدو.......!!! أما إذا كنتَ مطارداً من قِبل نمر مخيف يريد افتراسك، وكلما اقتربَ منك شعرتَ به خلفك... عندها ستكون في منتهى التسامح والشكر لمَن يقوم بإيقاظك!
في كهوف الهملايا ستحلم بأحلام جميلة... وهذا ما يفعله النُسّاك في الصوامع... يحلمون بالله، والملائكة والجنة، والسلام الأبدي... بينما يتعذب ويعاني البشر في العالم من الكوابيس المزعجة.... كوابيس المال والبورصات... كوابيس قوة السياسة والأعمال... لذا من الأسهل أن تصبح واعياًَ هنا في مثل هذا المحيط من الناس... لأنك إنْ لم تستطع أن تصبح واعياًَ هنا، فلن تصبح واعياًَ في أيّ مكان آخر. لكن تذكّر..... ودعني أكررها: لا وجود إلا لحقيقة واحدة. لكن بإمكاننا رؤية تلك الحقيقة بوجهين مختلفين:
الوجه الأول: بعينين نائمتين حالمتين، بعينين مليئتين بالغبار...... وعندئذٍِ كل ما ستراه سيكون مشوهاًَ.
والوجه الثاني: الحقيقة نفسها يمكننا رؤيتها بعيون يقظة، وبصيرة مفتوحة.... وعندئذٍِ مهما رأيت سيكون حقيقة... والحقيقة تُحرّر....
تعليقات
إرسال تعليق