معاهدة كوتاهية: قضت على أحلام ومشاريع محمد علي التوسعية
معاهدة كوتاهية كانت نتيجة طبيعية لخدمة الأعداء, حيث تخلى الإنجليز والفرنسيون عن محمد علي باشا وهم أسياده, واضطر في النهاية لتوقيع معاهدة كوتاهية الشهيرة في 16 ذي الحجة سنة 1248هـ، وهكذا قضت تلك المعاهدة على الأحلام والمشاريع التوسعية لمحمد علي والخاسر الوحيد أمة الإسلام، فما الذي تنص عليه معاهدة كوتاهية؟
المكان: مدينة كوتاهية - استانبول
الموضوع:توقيع معاهدة بين الدولة العثمانية والخائن محمد علي بضغط من الدول الأوربية.
الأحداث:
لو يعلم الخونة عواقب خدمة أعداء أمتهمودينهم والذين من أجلهم وأجل الدنيا باعوا كل القيم والمبادئ والأخلاق والعقيدة،لو يعلمون عاقبتهم في الدنيا قبل الآخرة، لو يعلمون مصيرهم ونهايتهم التي حتمًاولا بد أن تكون على يد أسيادهم الذين من أجلهم أقدموا على تلك الخيانة العظمى، لويعلمون حقيقة أمرهم, وأنهم لن يعدوا قدرهم قدر الحذاء أو المطية أو القفاز أوالمخلب الذي يستخدم فإذا قُضي الغرض منه ألقي إلى مزبلة التاريخ وطي النسيان، واسألوا شاه إيران يقل لكم، واسألوا نوري السعيد رئيس وزراء العراق يقل لكم،واسألوا جعفر نميري يقل لكم والطابور طويل سلوهم إن كانوا ينطقون، فالعميل والخائن قد يظن، وهو في سكرة الأمن والرضا بستر الكافرين عليه بأنه في مأمن من أمر الله، أو أنه يفعل ما بدا له فيتصرف دون إذن أسياده, فتأتيه الضربة من حيث يأمن ويعرف عندها قدره وعاقبة أمره.
محمد علي العميل المخلص:
يعتبرمحمد علي باشا من أخلص عملاء أعداء الإسلام وقام بالدور الأكبر في تحطيم البنية الأساسية للدولة العثمانية، وكشف ضعفها وأدى بها لمزيد من التنازلات أمام الأعداء وكان خنجرًا مسمومًا في يد الأعداء طعنت به الأمة الإسلامية عمومًا، ومصر والحجاز خصوصًا، وقد اشترك الإنجليز والفرنسيون في صناعة هذا العميل الخائن لأمته ودينه.
كان محمد علي ذكيًّا ذا إمكانيات كبيرة، ورغبة توسعية عارمة وحب للرياسة وذا أطماع طويلة وعريضة استطاع أن يدخل مصر مع الجيش العثماني إثر الحملة الفرنسية وهو ضابطصغير فما زال يسعى ويعمل على الوصول لحكم مصر حتى نالها بعد كثير من الدهاء والتآمر وضرب الفرقاء والخصوم، وعندما تمكن أمره وثبتت أقدامه راح يتخلص من كل رفقائه ومعاونيه الذين ساعدوه للوصول للحكم لينفرد وحده بالأمر والنهي, حتى يستطيعأن ينفذ مخطط أعداء الإسلام كما هو مرسوم له من قبل.
حروب محمد علي:
كانمحمد علي في البداية يريد كسب رضا الخليفة العثماني عنه ليسكت عن طموحاته وليبقىواليًا على مصر، لذلك فلقد وافق على أمور الخليفة الصادرة إليه بمحاربة الدعوةالسلفية بشبه الجزيرة العربية، وبارك أعداء الإسلام تلك الحرب لما فيها من خدمةعظيمة لهم لشدة خوفهم من هذه الدعوة الفتية التي تعيد بعث المسلمين مرة أخرى،وتحيي معاني الجهاد عندهم فيفيقوا من غفلتهم التي طالت، وبالفعل ينجح محمد علي فيتحجيم الدعوة السلفية، ولكن لا يستطيع محوها من الوجود أبدًا.
رضيالسلطان على محمد علي وعن نجاحه في الحجاز ونَجْد, فسمح له بالتوسع ناحية الجنوبفاندفع محمد علي بجيوشه إلى السودان, خاصة بعدما سمع أن هناك اكتشاف مناجم للذهبوالفضة، وأيضًا لجلب العبيد من هناك ليكونوا نواة لجيش جديد قوي يخدم أغراضهالتوسعية، ولكن الدول الصليبية وقفت لمحمد علي بالمرصاد وقالت له: إياك أن تقترب مندولة الحبشة الصليبية، وهذا على لسان وزير خارجية إنجلترا "هنري سولت",فأجابه محمد علي: سأنسحب من المنطقة إن رغبت إنجلترا في ذلك, فإن صداقة إنجلتراأفضل من ضم تلك المناطق.
ماإن انتهى محمد علي من ضم السودان حتى أتاه تكليف آخر من السلطان العثماني بقمع ثورةاليونان, ورغم تعاطف محمد علي مع اليونانيين في ثورتهم ضد الحكم العثماني, حتى إنهقد سمح لليونانيين المقيمين بمصر أن يرحلوا لليونان للاشتراك في الثورة كما حرر كلمماليكه الذين من أصل يوناني وأرسلهم هناك لنفس الغرض، إلا أن محمد علي وافق علىذلك التكليف لا لشيء إلا لأن إنجلترا وفرنسا قد وعتا موقف العثمانيين وذلك لتحجيم نفوذ الروس الذي أخذ في التزايد في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض، وأثناء القتالتغيرت الأفكار، وصارت أوربا ضد العثمانيين ودفع المصريون ثمن هذا التغير من دم خمسوعشرين ألف جندي مصري في سبيل تدعيم محمد علي في خططه الرامية للاستقلال بمصر .
محمد علي العميل المزدوج:
كانت سياسة محمد علي تميل إلى السياسة الفرنسية غير أن عقله كان يعمل بوحي وتوجيه إنجليزي،وبعد هزيمته باليونان أرادت فرنسا أن تجعله عميلاً خاصًّا خالصًا لها، وذلك لضرب إنجلتراالمنافس التقليدي لفرنسا، فعرضت عليه أن يقوم باحتلال الجزائر وتونس وليبيالصالحها وبدعم بحري منا وبدعم مالي طائل, وهذا بالطبع يجعل لعاب عميل خائن مثلمحمد علي يسيل بشدة، واشترطت فرنسا على محمد علي أن يقيم حكومة عميلة بتلك البلادتعمل لصالح فرنسا.
وافق محمد علي على المشروع، ولكن قبل أن يشرع فيه رأى أن يعرض الأمر على سادته الآخرين،وهم الإنجليز فهو عميل مزدوج، لا يريد أن يخسر فريقًا لصالح الآخر، وفوجئ محمد عليبرفض الإنجليز للمشروع وهددوه تهديدًا مزدوجًا بإغراق أسطوله قبل أن يتحرك منالإسكندرية ثم بزوال سلطانه بالكلية من مصر والقضاء على كل أحلامه التوسعية، فعدلعن هذا المشروع خوفًا ومسايرة لإنجلترا لا بعدًا عن التبعية لفرنسا، واقترحت عليه إنجلتراأن يقوم بغزو بلاد الشام.
غزو محمد علي للشام:
كانمحمد علي يحلم بالشام منذ أن تولى حكم مصر، وكان ينتهز كل فرصة، ويطلب من السلطانولاية الشام فقد طلبها عندما توجه للقضاء على الدعوة السلفية فرفض السلطان, ثم عادفطلبها عندما سار لقمع ثورة اليونان، ولكن السلطان رفض، فلما اقترحت إنجلترا علىمحمد علي احتلال الشام وجد لذلك في نفسه صدى كبيرًا، وقرر القيام بغزو الشام.
أخذ محمد علي في البحث عن أسباب وذرائع لتبرير هجومه على الشام حتى ولو كانت واهيةووجد ضالته في والي عكا "عبد الله باشا", حيث اتهمه محمد علي بعدة تهملتبرير هجومه على الشام منها.
أ-إيواء "عبد الله باشا" لستة آلاف من المصريين الفارين من مصر هربًا منالتجنيد في جيوش محمد علي.
ب-تهريب البضائع الشامية إلى مصر عن طريق سيناء للتهرب من الضرائب.
ج-رفض عبد الله باشا إرسال الأخشاب من الشام لمصر؛ لإعادة بناء الأسطول المصري الذيتم تدميره باليونان.
وبالفعلجهز محمد علي حملة كبيرة برية وبحرية بقيادة ابنه إبراهيم 1247هـ، فاستولى على غزةويافا وحاصر عكا وفتح القدس وطرابلس وبيروت ثم استسلمت عكا له بعد حصار طويل مدتهستة شهور، ودخل دمشق دون مشقة، وانتصر على جيش عثماني عند بحيرة قطينة قرب حمص، ثماستولى على حلب وحمص وحماة، ثم انتصر على جيش عثماني آخر عند ممر "بيلان"وأصدر السلطان العثماني قرارًا بعزل محمد علي عن ولاية مصر ليفقد هيبته، غير أنبشير الشهابي الدرزي العقيدة قد وقف بجانب محمد علي؛ لأنه قد أصبح الرجل القوي فيالمنطقة.
واصلإبراهيم حملته على الشام وفتح مدينة طرابلس وسار حتى وصل إلى الأناضول فأرسلالسلطان جيشًا كبيرًا يقوده رشيد باشا الذي التقى مع إبراهيم باشا قرب قونية بعدأن اجتاز إبراهيم جبال طوروس واحتل أضنة, فانتصر إبراهيم وأخذ القائد العثمانيأسيرًا, وأصبح الطريق مفتوحًا على إستانبول العاصمة.
معاهدة كوتاهية:
كانلهذه الانتصارات الهائلة التي حققها محمد علي على الجبهة الشامية دوي هائل فيالدول الصليبية الأوربية وشعرت إنجلترا أنها قد أخرجت ماردًا من قمقمه, وخشيتالدول الصليبية أن يواصل محمد علي سيره حتى يحتل الدول العثمانية، وتعود القوة مرةأخرى في جسد الرجل المريض، خاصة أن محمد علي رجل يحب التوسع والسلطة والسيطرة،وهذه صفات تزداد وتنمو في مثل هذه الظروف المواتية، فأسرعت إنجلترا ونصحت محمد عليأن يوقف القتال ويتفاهم مع السلطان، ولكنه رفض وكانت فرنسا تؤيده وتشجعه انتقامًامن إنجلترا.
شعرالسلطان بخطورة الموقف وضعف جنده عن رد جيوش محمد علي فقرر الاستعانة بالروس لحمايةإستانبول, وبالفعل أرسلت روسيا 1500 جندي لحماية إستانبول وهذا طبعًا من علاماتضعف العقيدة الإسلامية عند هؤلاء السلاطين الذين كانوا في مرحلة الضعف والانحطاطللدولة العثمانية, فكيف يستنصر بألد أعداء الإسلام لرد عارية المسلمين مثله! وهكذانرى تداعيات الولاء والبراء وما جلبته على الأمة عندما غابت تلك العقيدة الصافية.
كانلتلك الخطوة رد فعل قوي عند كل الدول الأوربية خاصة فرنسا التي غيرت رأيها وضغطتعلى محمد علي لعقد الصلح مع السلطان العثماني وأنزلت إنجلترا عدة فرق من جيوشهابالشام، واشتبكت مع جيوش محمد علي، وتخلى عنه بشير الشهابي الدرزي، وأثار الإنجليزالأرمن والدروز والموارنة والنصيريين ضد محمد علي وضعف مركزه بالشام، وتخلى عنهأسياده الإنجليز والفرنسيون واضطر في النهاية لتوقيع معاهدة كوتاهية الشهيرة في 16ذي الحجة سنة 1248هـ، وهي تنص على ما يلي:
1-أن ترجع جيوش محمد علي عن إقليم الأناضول إلى ما بعد جبال طوروس.
2-يعطى محمد علي ولاية مصر مدة حياته كلها.
3-يعين محمد علي واليًا من قبله على مدن الشام الأربع الكبرى: "عكا – طرابلس – دمشق- حلب", وعلى جزيرة كريت.
4ـ يعين إبراهيم بن محمد علي واليًا على إقليم أضنة وهو الإقليم المتاخم للأناضول،وهكذا قضت تلك المعاهدة على الأحلام والمشاريع التوسعية لمحمد علي، وعرف أنه لنيعد, وقدره بالنسبة لأعداء الإسلام، فهم الذين ساعدوه وغروه ليقوم بطعن أمتهوتمزيق شملها وهم أيضًا الذين أوقفوه عند حده، وقلموا أظافره، وأفقدوه ثلثي جيشهفي حرب خاسرة على أرض الشام، وهكذا يكون القاتل والمقتول من المسلمين والخاسرالوحيد هي أمة الإسلام.
المصدر:موقع مفكرة الإسلام.
تعليقات
إرسال تعليق