الحول عند الأطفال
نعمة البصر من أعظم النعم التي وهبها الله تعالى للمرء، ويبدأ الاهتمام بالعين منذ الصغر، إذ تتعرض العيون لكثير من المشاكل والأمراض إذا لم نعتن بها جيدا، وتقف مشكلة الحول على رأس هذه المشاكل، التي تعد مشكلة خاصة عند الأطفال تتجاوز الناحية الجمالية لديه، بل تتعدى إلى التأثيرعلى قوة الإبصار أيضا.
ويعد الحول من الحالات الشائعة التي تصيب الأطفال، وتصل نسبة حدوثه إلى 0.5 % عند الذكور والإناث على حد سواء، وقد يصيب الحول الإنسان في مراحل متقدمة من العمر، وقد ينتقل وراثيا من الآباء إلى الأبناء، وغالبا ما يكون الحول الذي يصيب الأطفال إلى الداخل، بينما يكون الحول الذي يصيب الكبار إلى الخارج.
ومن الطبيعي أن تنحرف إحدى عيني الطفل حديث الولادة من وقت لآخر، خاصة عندما يكون متعبا أو راغبا في النوم، لكن إذا لوحظ على الطفل ذي الثلاثة أشهر حولا في إحدى عينيه أو أنه يغلقها عند النظر لمحدثه، أو أنه يميل برأسه لجهة معينة لينظر إلى محدثه، فلا بد من استشارة اختصاصي العيون لفحص عيني الطفل والتأكد من سلامتهما.
وسنتطرق اليوم للحديث عن مشكلة الحول عند الأطفال، وأهمية الكشف المبكر عنه، وطرق علاجه.
ويمكن تعريف الحول بشكل مبسط على أنه: عيب بصري يجعل العينين بحالة غير متوازنة، سببه انعدام التناسق في حركة العينين، نتيجة فقدان التوازن في قوة العضلات الخارجية للعينين، بحيث تشير كل عين لاتجاه مختلف، فيمكن أن تركز إحدى العينين للأمام، بينما تنحرف العين الأخرى للداخل أو الخارج أو الأعلى أو الأسفل، ويمكن أن يلاحظ هذا الاختلال في وضع العينين بشكل واضح، أو يظهر أحيانا ويختفي أحيانا أخرى، وقد ينتقل بين العينين.
تتلخص أعراض الحول فيما يلي:
• يكون العرض الرئيسي للحول في عدم انتظام الحركة في كلتا العينين معا، خاصة عند الأطفال دون العاشرة.
• ازدواجية الرؤية (أي عدم وضوح الرؤية) لدى الأطفال والبالغين المصابين بالحول.
وتحدث آلية ازدواجية الرؤية لدى الأطفال كالتالي:
ترسل عين الطفل المصابة بالحول الصورة إلى الدماغ، فيرفضها الدماغ لعدم وضوحها، فيتوقف الطفل، بطريقة لا شعورية، عن استخدام عينه، فيصاب بما يسمى بحالة كسل العين، وإذا لم تعالج هذه الحالة يبقى الطفل ضعيف البصر بقية عمره.
• إمالة الطفل رأسه إلى الجهة اليمنى أو اليسرى ليتخلص من رؤية الصور بشكل مزدوج، وهذا يؤدي على المدى البعيد إلى تشنج في عضلات الرقبة.
• إغلاق الطفل العين المصابة، وخاصة في ضوء الشمس الساطع.
أسباب الحول
تتعدد الأسباب المؤدية للحول ومن أهمها:
1. الأسباب الخلقية (الحول الخلقي): ويظهر هذا النوع بعد الولادة مباشرة، أو خلال الشهور الستة الأولى من الولادة، وغالبا ما يوجد تاريخ عائلي للإصابة بالحول.
2. طول أو قصر النظر: إذا اقترب أي جسم من العينين كثيرا تفقد العينان القدرة على التركيز وتنحرف إحداهما بعيدا، ويعد هذا أمرا طبيعيا، لكن غير الطبيعي في حالة الحول هو انحراف العين وفقدانها قدرتها على التركيز في حال كون الجسم المنظور بعيدا عن العينين، ويكون هذا بسبب الحركة غير المتوازنة للعينين معا.
3. الإصابة ببعض أمراض الطفولة؛ كالحصبة أو السحايا أو الجدري أو بعض أمراض العيون.
4. الإصابة ببعض أمراض الجهاز العصبي كالتي تسبب شللا في عضلات العين.
5. إصابة عضلات العين أو الأعصاب المؤدية لها أثناء الولادة، أو بسبب تليفات في عضلات العين.
6. تلقي ضربة على الرأس أو نزيف في المركز البصري أو كسر في عظم محجر العين.
7. حصول نزيف قرب إحدى العضلات أو العصب المغذي لإحدى العضلات نتيجة لارتفاع في ضغط الدم أو السكري.
8. الإصابة بأورام في الدماغ أو أورام حول العين.
9. وقد تظهر لدى بعض الحالات، كما في الإصابة بالدفتيريا أو أمراض الغدة الدرقية أو التهاب الغدة النكافية.
للحول أنواع شتى منها:
• الحول المخفي أو الخفي: يحدث هذا النوع من الحول نتيجة إصابة عضلات العين الخارجية بالضعف والخلل، لكن الدماغ يستطيع السيطرة على حركة هذه العضلات؛ لأن الخلل يكون بسيطا، وهذا النوع لا يظهر إلا بالفحص الطبي أو عند الإرهاق والضعف العام للجسم، ويصاحب المصاب به بعض الأعراض مثل؛ الشعور بالصداع، ووجود ألم حول العينين.
• الحول الكاذب: سمي بذلك لأنه عند النظر في عيني الطفل تظهر وكأنها حولاء، لكن عند عرض الطفل على الطبيب يتضح أنه سليم وليس لديه حول بل هو حول كاذب، ويعتقد وجود حول لدى الطفل بسبب تباعد العينين عن بعضهما؛ لأن الأنف يكون عريضا من الأعلى، وأيضا بسبب تغطية ثنية أعلى الأنف جزئيا الجانب الداخلي من العين.
• الحول الحقيقي: وهذا النوع ينقسم إلى نوعين:
1. الحول المتلازم: ويطلق على هذا النوع من الحول الحول المتقطع، وذلك لأنه يظهر أحيانا ويختفي أحيانا أخرى، وهذا النوع من الحول إما أن يكون منضما إلى داخل الأنف كما في حالات طول النظر، أو منفرجا إلى خارج الأنف كما في حالات قصر النظر، ويحدث نتيجة ضعف أو عدم وجود تناسق في القوة بين عضلات العين، وقد يظهر هذا النوع من الحول فجأة بعد الإصابة ببعض الحالات مثل؛ النزلات المعوية الحادة، مصاحبا للاضطرابات النفسية والعاطفية لدى الطفل.
ويشار إلى أن الحول المتقطع عند الأطفال الرضع (قبل سن 4- 6 شهور) يعد ظاهرة فسيولوجية طبيعية.
2. الحول الشللي: ويحدث هذا النوع من الحول بسبب الشلل الذي يصيب عضلات العين أو مركز التحكم بهذه العضلات بالمخ، نتيجة للإصابة المباشرة التي تتعرض لها عضلات العين، أو مركز التحكم بالمخ، أو نتيجة حدوث أورام بالمخ والأغشية المحيطة به، أو نتيجة للتعرض لبعض الأمراض مثل؛ الحصبة والتهاب الغدة النكافية والدفتيريا، أما عند كبار السن فيمكن الإصابة به نتيجة لارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري.
تشخيص حالات الحول
التشخيص المبكر لأي أمراض تصيب العين، أو لحالات الحول لدى الأطفال، تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة، وقبل دخول الطفل للمدرسة، وتزداد أهمية هذا الأمر إذا كان أحد أقارب الطفل يعاني من وجود حول أو كسل بالعين، وأول ما يجب أن يحدده الطبيب المختص هو أن يفرق بين الحول الحقيقي والحول الكاذب، وإذا ما كان الحول هو الظاهرة المرضية الوحيدة لدى الطفل أو أنه عرض مصاحب لمرض آخر يصيب القرنية أو العدسة أو الشبكية.
ومن علامات الحول الكاذب ظهور عيون الأطفال الرضع بشكل متقاطع (يشبه الحول)، وتكون أنوف الأطفال الصغار عريضة ومسطحة مع وجود ثنية من الجلد عند الجزء الداخلي من جفن العين مما يعطي العينين شكل الحول، وقد يكون الحول الكاذب نتيجة لكبر أو صغر فتحة العين، أو أن المسافة بين مركزي الحدقتين في العينين أصغر أو أكبر من الطبيعي.
ومن الجدير ذكره أن حالات الحول الكاذب لا تحتاج لأي علاج، وقد تختفي تلقائيا عند بلوغ الأطفال سن السابعة أو الثامنة، وقد تبقى مدى الحياة، وفي كل الأحوال فهي لا تحتاج إلى علاج معين.
أما في حالات الحول الحقيقي فإن الطفل لا يتحسن إذا تجاوز عمره الأربعة أشهر، لذلك يجب فحص الطفل في حالة الشك بوجود حول لديه.
وإذا تأكد الطبيب من أن الحول الموجود هو حول حقيقي وليس كاذبا فإنه يجري الفحوصات الطبية اللازمة لتحديد نوع الحول، وقياس درجته للوصول إلى التشخيص والعلاج المناسبين.
الغرض من علاج الحول
تتعدد الأهداف المرجوة من علاج الحول، ويمكن تلخيصها بالآتي:
• الحفاظ على قدرة وقوة إبصار العين.
• تحقيق استقامة العينين.
• القدرة على الإبصار بكلتا العينين في وقت واحد.
• التخفيف من درجة الانحراف (الحول) في جميع الأعمار.
• غايات جمالية، فالحول في العينين منظر غير محبب.
العلاج
يختلف علاج الحول من حالة لأخرى باختلاف السبب المؤدي له، وعلى ضوء الفحص السريري الشامل لأجزاء العين الداخلية والخارجية يقرر الطبيب المختص نوعية العلاج المناسب؛ باستخدام النظارات أو بالتدخل الجراحي أو غيره، وقد يستخدم الطبيب طريقة أو أكثر عند العلاج.
ويمكن تلخيص ما يقوم به الطبيب بما يلي:
• علاج كسل العين، حيث يغطي الطبيب العين السليمة لفترات محدودة، تعتمد على عمر المريض ودرجة كسل العين، ويقوم بذلك لإجبار العين الضعيفة على العمل والسماح لخلايا الشبكية بالنمو، وهذه الطريقة ذات فعالية كبيرة وخصوصا إذا كان الطفل دون السادسة؛ لأن نمو خلايا العين يكتمل عند سن السادسة، وكلما كانت تغطية العين السليمة مبكرا استردت العين الضعيفة الكسولة الرؤية في وقت أقل، ويمكن استعمال عدسة لاصقة غير شفافة أو غطاء من القماش، أو شريط لاصق على النظارة الطبية لتغطية العين.
• استخدام النظارات الطبية في حالة طول النظر، والتي قد يستغني المريض عنها عندما يتعدى سن الثانية عشرة من عمره، وقد يضطر في حالات أخرى إلى استعمالها بشكل دائم بحسب الحالة، وإذا كان النظر ضعيفا لدى الأطفال قبل سن الثامنة بالرغم من استعمالهم النظارات الطبية، فمن اللازم القيام بتمارين خاصة لتقوية النظر في العين الضعيفة.
• إزالة أي مسببات للحول، فإذا كان الحول نتيجة مرض أو شلل يعالج السبب في البداية، ولا تجرى أي عملية جراحية للحول إلا بعد مرور ستة أشهر.
• العمليات الجراحية، تحتاج بعض حالات الحول إلى إجراء عملية جراحية لتقويم عضلات العين، وفي هذه الحالات يكون التدخل الجراحي هو الحل العلاجي الوحيد الناجع منذ البداية، حيث يقوم الطبيب إما بشد عضلات العين ــ الخارجية الست المسؤولة عن حركة العين في الاتجاهات كافة ــ أو إرخائها، على حسب حالة المريض، كما يحتاج المريض إلى الاستمرار في استخدام النظارات الطبية بعد إجراء العملية.
ونشير إلى أن الجراح لا يقوم باستخراج العين من محجرها (مكانها) أثناء العملية، كما أنه لا يستخدم أي نوع من أشعة الليزر خلالها.
ومن الطبيعي توقع ظهور احمرار في العين مدة أسبوع إلى أسبوعين بعد إجراء الجراحة، لكن يستطيع الطفل في معظم الحالات الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي مباشرة.
النتائج المترتبة على إهمال علاج الحول:
• المردود النفسي بما يسببه من عقد نفسية للطفل.
• الضعف الشديد في الإبصار بالعين الحولاء نتيجة كسل في العين، وذلك إذا لم تعالج قبل سن السابعة بالشكل الصحيح.
• قد ينتج عن الحول الشللي تشوهات في الرقبة والوجه نتيجة لإصابة عضلات الرقبة.
وختاما نؤكد أن علاج حالات الحول يتم ببساطة وسهولة، وكلما كان العلاج مبكرا كانت النتائج أفضل، وأفضل وقت للتغلب على هذه المشكلة يكون ما بين 3-4 سنوات، وقبل دخول الطفل إلى المدرسة.
تعليقات
إرسال تعليق