تسبب انواع من الميكروبات التي تشمل البكتيريا والفيروسات التهابات في الجهاز التنفسي عند غالبية البشر، ومختلف الاعمار، وطوال ايام السنة، وهي لا تعرف حدودا مغلقة او حماية مطلقة.
وتكثر الالتهابات بالتفشي بين الاطفال حديثي الولادة وصغار السن، كما انها تصيب الاشخاص البالغين الذين يعانون من الارهاق وضعف الجسم، ونقص المناعة المؤقت او المزمن، كما يكثر انتشارها مع تقلبات الطقس الحادة.
وتدل الدراسات العلمية، أنه يصاب كل شخص تقريبا مرة واحدة على الاقل سنويا بأحد فيروسات الجهاز التنفسي المعدية، مثل الانفلونزا، وكثيرا ما يتبع العدوى بالفيروسات، التهابات تسببها احد انواع البكتيريا المعدية في جزء او اكثر من الجهاز التنفسي العلوي، مثل الحلق واللوزتين والبلعوم والحنجرة والجيوب الانفية والاذن الوسطى وخاصة بين الاطفال الصغار السن، وفي حالات قليلة تحدث التهابات حادة بالرئة والقصبات الهوائية.
ويعود سبب هذه الالتهابات البكتيرية إلى كون العدوى بالفيروسات تضعف عادة مقاومة الغشاء المخاطي المبطن للجهاز التنفسي، كما تضعف بصورة عامة مقاومة الجسم، ما يساعد انواعا من البكتيريا المعدية ان تنشط وتحدث التهابات حادة وقاتلة في بعض الاحيان.
وقد تنتشر الالتهابات التنفسية بشكل وباء يشمل عددا محدودا من افراد المجتمع في منطقة جغرافية محددة، او ينتشر بصورة واسعة في حاضنات ومدارس الاطفال والمستشفيات والتجمعات السكنية المكتظة والفقيرة، او بشكل عدة أوبئة محلية ومناطق مختلفة، وتصيب في نفس الوقت المئات والآلاف في البلد الواحد.
واحيانا تنتشر عدوى المرض بصورة جائحة تعبر عدة بلدان وقارات خلال فترة زمنية قصيرة، وخاصة مع سرعة انتقال المسافرين بالطائرات، ومن اهمها بعض انواع الفيروسات التي تصيب الآلاف والملايين خلال فترة اسابيع محدودة، مثل فيروسات الزكام والنزلة الصدرية الحادة/ الانفلونزا بأنواعها المتعددة.
وما تزال تبين تقارير منظمة الحصة العالمية الحديثة بأن التهابات الجهاز التنفسي الحادة ومضاعفاتها، تعتبر السبب الاول للوفاة بين كبار السن وصغار الاطفال في العالم بالنسبة لنوعية الامراض المعدية، وتؤدي الى وفاة عدة ملايين سنويا، ومعظمهم في بلدان العالم النامي.
ومن المدهش معرفة ان الجهاز التنفسي لأي انسان يحتوي على خليط كبير من انواع البكتيريا الطبيعية والمفيدة التي تعيش بأمان على سطح وثنايا انسجة الجسم، وهذه تعرف باسم نبيت الجهاز التنفسي، وهذا النبيت يسهم بالحفاظ على صحة الجهاز التنفسي والجسم وتمنع عنه في كثير من الاحيان التهابات الميكروبات المعدية فالميكروبات المفيدة تمنع انواع الميكروبات الممرصة من الالتصاق بالاغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي، وترفع من مستوى مناعة الجسم. وبالرغم مما تقدم، فقد ينتهز احد انواع الميكروبات المعدية الفرصة المواتية، ويهاجم الاغشية والانسجة الداخلية ويسبب الالتهابات التنفسية الحادية او المزمنة. وغالبا يتكاثر وينتشر الميكروب المعدي في ظروف خاصة اثناء ضعف مناعة الجسم او انحسار بكتيريا نبيت الجسم العادي نتيجة الاستعمال المتكرر او الكثيف للمضادات الحيوية.
مسببات الالتهابات الرئوية بأنواع البكتيريا الخفية
أولا، هناك عدد قليل من انواع البكتيريا التي تنتشر بصورة واسعة في الجهاز التنفسي وبنسبة مئوية عالية بين الناس، وغالبيتها تسبب حالات التهابات الحلق والرئة والقصبات بين الاطفال، وبنسبة مئوية اقل بين البالغين وكبار السن، وهذه الانواع يسهل اكتشافها في المختبرات الطبية بزراعة عينات من مسحات الحلق والانف او افرازات الجهاز التنفسي مثل القشع، ولن اتحدث عنها في هذا المقال. وثانيا، هناك انواع قليلة من البكتيريا التي تسبب احيانا حالات حادة من الالتهابات التنفسية ويصعب اكتشافها وتشخصيها في المختبرات، وهذه تستوطن في الجهاز التنفس لفترات زمنية محددة، وقد تنتشر فجأة بين الافراد والتجمعات ضمن ظروف تقلبات الطقس الحادة وتوفر رطوبة عالية في الجو لاسباب اخرى غير معروفة، كما حدث في الفترة الاخيرة في الاردن (شهر آذار ونيسان 2012) حسب المعلومات المتوفرة من عدد من الاطباء، ولهذا تعتبر هذه البكتيريا مسببات خفية تؤدي الى التهابات الجهاز التنفسي، وهذه الحالات تعرف باسم مرض ذات الرئة غير التقليدي Atypical pneumonia.
ومن اهم هذه الانواع البكتيريا التالية: الميكوبلازما الرئوية والكلاميديا الرئوية واللجيونيلا الرئوية، وجميعها تسبب مظاهر مرضية متشابهة لحد ما، ويصعب علاجها بالمضادات الحيوية اذا لم يتم تشخيصها حسب خبرة الطبيب السريرة او بواسطة فحوصات المختبر النوعية.
الميكوبلازما Mycoplasma
تستوطن انواع عديدة من بكتيريا الميكوبلازما في الجهاز التنفسي عند الانسان وبعض الحيوانات لفترات قليلة، وخاصة اثناء حدوث تغير سريع بدرجات حرارة الطقس من البارد الى الدافئ او الحار وتوفر رطوبة عالية في الجو. وبكتيريا الميكوبلازما تعتبر من اصغر انواع البكتيريا المعروفة، وليس من السهولة اكتشافها بالزراعة كباقي انواع البكتيريا في المختبرات الطبية، لكونها تحتاج الى مزارع خاصة متوفرة فقط في مختبرات الابحاث الطبية. ومن اهم انواعه الممرضة للانسان ميكوبلازما الرئوية.
العدوى والمظاهر المرضية للميكوبلازما الرئوية: تنتشر العدوى مباشرة من شخص الى اخر عن طريق افرازات الجهاز التنفسي (الرذاذ) للمريض وملامسة وجهه ويدي المريض والتقبيل، وبصورة واسعة بين الاطفال والبالغين والصغار من كلا الجنسين والذين تتراوح اعمارهم بين 10-20 عاما، وبشكل فردي او وبائي في المدارس والجامعات والتجمعات المزدحمة وخاصة خلال اشهر الخريف ونهاية الشتاء، ونادرا ما يحتاج المريض الى دخول في المستشفى او يؤدي المرض الى الوفاة، وغالبا تأخذ حضانة اسبوعين قبل ظهور اعراض المرض المميزة. واحيانا تؤدي الميكوبلازما الرئوية الى التهاب بلعومي خفيف يتحول تدريجيا الى التهاب القصبات، وعندها يعاني المريض من سعال جاف وحمى خفيفة الى متوسطة مع ارهاق عام في الجسم يستمر لعدة ايام الى اسابيع، وفي حالات قليلة جدا، يتطور المرض الى التهاب ذات الرئة الذي يحتاج الى دخول المريض الى المستشفى للمعالجة المكثفة، وخاصة اذا تمت معالجة المريض في البداية بأنواع المضادات الحيوية غير الفعالة لهذه البكتيريا مثل انواع البنسلين والسفلوسبورين، ويطور جسم المصاب ببطئ الاجسام المضادة النوعية للميكوبلازما الرئوية خلال حضانة المرض، وبعدها يكتسب الجسم مناعة ضد المرض.
التشخيص المخبري والمعالجة والوقاية، يتم تشخيص العدوى بالميكوبلازما الرئوية مخبريا باختيار قياس عيار الاجسام المضادة للبكتيريا في دم المريض، وهذا الفحص لا يكون ايجابيا قبل مرور اسبوعين على الاقل، ولهذا يصعب في معظم الحالات التأكد من اسباب الاصابة بهذا النوع من البكتيريا، وحديثا بدأ استعمال اختبار سلسلة البوليمريز PCR بنجاح، ويتم تشخيص الحالات المرضية بسرعة خلال ساعات من العينات التي تأخد من افرازات الجهاز التنفسي للمريض. ويوصى باستعمال المضادات الحيوية من مجموعة اريثروميسين الحديثة او الاوكسيسكلين، وتعطى للمريض لفترة لا تقل عن اسبوعين حتى يتم الشفاء. ولا يوجد حتى الان لقاح يحصن الجسم ضد العدوى بالميكوبلازما المعدية. ومن المعروف من الدراسات في العالم ومنها الاردن، ان انتشار العدوى بالميكوبلازما المعدية. ومن المعروف من الدراسات في العالم ومنها الاردن، ان انتشار العدوى بالميكوبلازما الرئوية يحدث بشكل اوبئة محدودة او واسعة كل فترة عدة سنوات.
الكلاميديا الرئوية Chlamydia pneumoniae، فهو قليل الانتشار في العالم، وينتشر عادة بشكل حالات فردية من شخص مصاب الى اخر، وتكثر العدوى بالمرض بين الاطفال والصغار. وتظهر اعراض المرض السريرية بعد حضانة 10-14 عاما، وبشكل خفيف، وتشمل غالبا الرئتين، ومع ارتفاع درجة حرارة الجسم وصداع والم في العضلات. وفي حالات قليلة تحدث مضاعفات مثل التهاب ذات الرئة الحاد مع سعال جاف او مع قشع- قيحي وضيق في التنفس، وقد يتبعه التهاب في الدماغ وعضلة القلب تنتهي بوفاة المريض. ويتم تشخيص امراض الكلاميديا باستعمال مزارع الانسجة الخاصة او بالكشف عن الاجسام المضادة للكلاميديا بعد اسبوعين من المرض. ويعتبر استعمال فحص سلسلة البوليمريز للكشف عن جينات البكتيريا من افضل واسرع الطرق المخبرية للكشف عن الكلاميديا الرئوية والتناسلية C. trachomatis والتي يمكن ان تسبب احيانا حالات التهاب الرئتين بين الاطفال حديثي الولادة.
اللجيونيلا الرئوية Legionella pneumonphila، فقد اكتشفت اهمية هذا النوع من البكتيريا بالصدفة العام 1976 في مدينة فيلادلفيا بأميركا اثناء الاجتماع السنوي للمحاربين الاميركيين القدماء (الفيالقة)، فقد اصيب المئات منهم فجأة بأعراض مرض غامض تبين فيما بعد بأن الميكروب المسبب للمرض نوع من عصيات بكتيريا رفيعة الشكل، ويصعب رؤيتها بسهولة في المجهر الضوئي. وقد تم تسمية هذه البكتيريا فيما بعد باسم بكتيريا لجيونيل، وهنالك ما يقارب 36 صنفا آخر من بكتيريا اللجيونيلا ينتشر في بيئة الانسان والحيوان وفي الطبيعة، ومعظمها تعتبر حتى الآن غير ممرضة للانسان.
تشير الدراسات الوبائية إلى أن مرض اللجيونيلا الرئوي يكثير حدوثه في الأماكن التي يكثر فيها استعمال اجهزة المكيفات المركزية بالهواء، كما حدث أثناء الوباء في فيلادلفيا او بواسطة حنفيات ومرشات الماء الساخن او البارد الملوث ببكتيريا اللجيونيلا ومنها حمامات الساونا غير النظيفة. ولقد ثبت ان هذا الميكروب يبقى حيا لمدة عدة اشهر في الماء النقي الحار والبارد الذي لا يحتوي على المقدار الكافي من مادة الكلورين المطهرة.
العدوى والمظاهر المرضية
تكثر العدوى باللجيونيلا الرئوية بين الاشخاص الذين تزيد اعمارهم على الستين، خاصة عند المدخنين والذين يعانون من امراض الرئة وضعف المناعة. ويشترك جميع المصابين بأعراض التهاب رئوي متوسط الى حاد، مصحوب بارتفاع درجة الحرارة وضيق التنفس وصداع وألم عضلي شديد. وقد يموت الشخص المصاب خلال ايام قليلة نتيجة القصور بالتنفس الشديد اذا لم يعطى المضادات الحيوية والعلاج المكثف في المستشفى لتنظيم عملية تنفس المريض.
التشخيص المخبري والمعالجة والوقاية
يتم تشخيص مرض اللجيونيلا الرئوية بقياس عيار الاجسام المضادة لبكتيريا الجيونيلا في دم المريض بعد مرور اسبوعين على المرض، او عزل البكتيريا من عينات الحلق والقشع والدم باستعمال مزارع خاصة، كما يستعمل حاليا اختبار سلسلة البوليميريز بنجاح وسهولة للكشف عنها. ويتم علاج الحالات المرضية باستعمال احد ادوية مجموعة الاريثروميسين، مثل azithromycin او احد مجموعة الكوينولونات. levofloxacin، moxifloxacin ولا يوجد حتى الان لقاح ضد المرض، ولذلك يوصى منع تلوث انظمة تكيف الهواء او خزانات الماء التابعة لاجهزة التنفس في المستشفيات ببكتيريا اللجونيلا الرئوية التي تعيش في التربة الرطبة. ومما ذكر انه تتوفر دراسات قليلة جدا في الاردن وسائر البلدان العربية عن مدى انتشار هذه الانواع من البكتيريا الخفية المسببة لحالات التهابات الصدر غير التقليدية.
الأستاذ الدكتور عاصم الشهابي كلية الطب - الجامعة الأردنية
تعليقات
إرسال تعليق