تشير الإحصائيات العالمية ان ما يقارب ( 30% ) من الأطفال يوصفون من قبل الأهل او المعلمين بالحركة الزائدة , والحقيقة العلمية ان اضطراب الحركة الزائدة كمرض نفسي لدى الاطفال اقل من ذلك بكثير . مع عدم وجود احصائيات دقيقة بسبب تدني الوعي لنفسية الطفل بشكل عام عالميا , فمن الطبيعي بعد سن الثانية من العمر ازدياد حركة الطفل نتيجة لنموه الحركي , والعاطفي , والذهني لاكتشاف العالم من حوله فهي حركة هادفة , اما افراط الحركة غير الهادفة فتعود الى أسباب بيئية ونفسية .
ومن أكثرها شيوعًا في مجتمعنا ارتفاع مستوى القلق لدى الاب والام او كلاهما مؤدياً الى هبوط عتبة تحمل الضغوطات النفسية ومنها حركة الطفل , فكثيرا ما تكون حركة الطفل طبيعية ولكن بسبب توتر الاهل , وسهولة الاستثارة , وتدني درجة تحملهم لامور الحياة الاعتيادية يظنون ان الطفل مصاب بالحركة الزائدة , وغالبا ما يقدم احد الأبوين على ضربه , او توبيخه بكثرة , مما يؤدي الى اصابة الطفل بالقلق الناجم عن الترويع , والنتيجة زيادة في الحركة ( لان الأطفال يعبرون بالسلوك ) و الدخول في الحلقة المفرغة , وفي هذه الحالة فان العلاج النفسي يكون للأبوين وليس للطفل لتصويب اوضاعهما .
مياه الانابيب تسهم في حركة الاطفال الزائدة
اما الاسباب البيئية لاضطراب الحركة الزائدة الهامة والخطيرة , والتي تنتشر في مجتمعاتنا خاصة فهي ( التسمم البطيء بمادة الرصاص ) , ومصدرها الرئيسي مياه الأنابيب في المنازل , والمياه المستخدمة في كثير من ( محلات العصائر الطازجة ) والدمى المصنعة من البلاستيك المقوى بالرصاص و المنتشر في الاسواق بشكل واسع دون حسيب او رقيب ( بكل اسف ) , وهي في متناول ايدي الاطفال وعضها بافواههم , وكذلك السكن في البيئة التي تتواجد فيها مخلفات الرصاص خاصة مصانع ( البطاريات والدهان ) , فمادة الرصاص تتسرب بشكل بطيء الى الدماغ , وبالتالي تؤدي الى داء اضطراب الحركة الزائدة اضافة إضعاف القدرات العقلية , و الاعصاب , والفشل الكلوي .
وللأسباب النفسية دور بارز ايضا , فالقلق العام لدى الاطفال يؤدي زيادة الحركة , وكذلك الاكتئاب النفسي بمختلف انواعه , وحالات الهوس والتي تتصف بزيادة الحركة , والكلام , واضطراب النوم , و المزاج العنيف . وتدني درجة الذكاء (التخلف العقلي ) بسبب ضعف قدرات الطفل الذهنية على التكييف مع المحيط بوجود الضغوطات النفسية « مثل الاستهزاء , او الاهانة , او الاهمال « وهو للاسف سلوك شائع في مجتمعاتنا , وبالتالي فان ردة الفعل تكون بالحركة الزائدة والمصحوبة غالباً بالعنف كرد فعل سلوكي .
التوحد : حالة من الحركة الزائدة
ومن الحالات الشديدة داء « اضطراب الحركة الزائدة والانتباه –ADHD « وتمتاز هذه الحالات منذ الصغر بالاندفاعية , وكثرة الحركة غير الهادفة , والعصبية , وصعوبة الانتباه , و تعثر التركيز , والفعل قبل التفكير , و العناد , مما يؤدي الى اضطراب القدرات التعليمية سواءً اجتماعية او اكاديمية , و ضعف النمو العاطفي , والفكري , والسلوكي , و زيادة الوقوع في الخطورة مثل الحوادث , او الكسور , او الحرق , او السقوط من مرتفع , اما من الناحية المستقبلية فغالبية الاطفال يعانون من اضطراب السلوك الجانح , كالعنف , وارتكاب الجرائم , والشخصية الضد اجتماعية ان لم يعالجوا في فترة مبكرة من نشوء الداء .
واخطر الحالات المتسمة بالحركة الزائدة هي حالات التوحد ( Autistic ) وهي حالات شديدة من فقدان اللغة , والعاطفة , والقدرات الذهنية , الاجتماعية , والاتصال مع الاخرين , والسلوكيات الاجترارية الوسواسية المتكررة ( العبثية والتخريبية ) , وغالبا ما يصاحبها التخلف العقلي , والاصابة بنوبات الصرع , فلا يستطيع الطفل التفريق بين الانسان و الأشياء . فهو يعيش في عالم غريب الاطوار متقوقع على ذاته ( حركي مبهم بدون هدف ) , و عرضة للمخاطر كالسقوط والحروق والكسور .
ولقد ثبت حديثا ان العامل الوراثي هو الاساس في حصول هذه الحالات حيث تبين ان كرُموسوم « 91 « والحامل ل 7 جينات , يشوبه اعتلال هو السبب الرئيسي في حصول هذا المرض , ولغاية هذا التاريخ لم تثبت صحة النظريات السابقة كمسبب ( الالتهابات الفيروسية اثناء الحمل , اعاقات الولادة و الاصابات الدماغية , استخدام الملونات و الصبغات في المأكولات و المشروبات ) , وبسبب زيادة نسبة الزواج من الاقارب في المجتمعات العربية , فانه من الاسلم البعد عن ذلك (ان وجد هذا الداء في عائلةٍ ما ) لتجنب المزيد من حالات التوحد والتي تتصاعد عالميا خاصة وانها اصبحت وراثية .
د. محمد عبد الكريم الشوبكي - مستشار الأمراض النفسية والعصبية
تعليقات
إرسال تعليق